يسبق المقاتلين إلى ساحة الوغى ينتظر وقوع القتلى. وإذا طار فوق بيت فلا بد أن يموت أحد فيه. وإذا وقع به أذى انتقم ممن آذاه ولو بعد موته. وكثيرون من الإنجليز يعتقدون أن نجاحهم في الدنيا نتج عن حمايتهم لغراب عشش في بستانهم، وانه إذا قتل قصدا فلا بد أن يموت أحد من الأسرة على اثر ذلك. ويقول أهالي اسوج إن الغربان التي تنعق في المستنقعات ليلا هي أرواح القتلى الذين قتلوا غيلة، ولذلك حمي الغراب من الأذى في كثير من البلدان الشمالية.
وكان العرب يتشاءمون من الغراب، قال أبو الفرج المعافى ابن زكريا في كتاب الجليس والأنيس:(كنا نجلس في حضرة القاضي أبي الحسن فجئنا على العادة فجلسنا عند بابه وإذا إعرابي جالس كانت له حاجة فوقع غراب على نخلة في الدار فنعب ثم طار، فقال الإعرابي: إن هذا الغراب يقول أن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام، قال فزجرناه فقام وانصرف ثم خرج الأذن من القاضي إلينا، فدخلنا فوجدناه متغير اللون مغتماً، فقلنا له مالخبر؟ قال رأيت البارحة في النوم شخصاً يقول:
منازل عباد بن زيد ... على أهليك والنعم السلام
وقد ضاق صدري لذلك. فدعونا له وانصرفنا، فلما كان في اليوم السابع من ذلك اليوم دفن)
قال القاضي أبو الطيب الطبري: سمعت هذه الحكاية من لفظ شيخنا أبي الفرج المذكور.
وقال يعقوب بن السكيت:(كان أمية بن أبي الصلت وهو شاعر مسيحي مشهور من فحول شعراء الجاهلية، في بعض الأيام يشرب، فجاء غراب فنعب نعبة، فقال له أمية: بفيك التراب! ثم نعب أخرى فقال له أمية: بفيك التراب! ثم اقبل على أصحابه وقال: أتدرون ما يقول هذا الغراب؟ زعم أني اشرب هذه الكأس فأموت، وأمارة ذلك انه يذهب إلى هذا الكوم فيبتلع عظما فيموت. قال فذهب الغراب إلى الكوم فابتلع عظما فمات، ثم شرب أمية الكأس فمات من حينه)، وهذه الحكاية من أقاصيص العرب.
والتشاؤم من الغراب ربما يرجع إلى سواده، والسواد رمز للحزن حتى أن العرب يسمون السود منهم (أغربة العرب) مثل عنترة وغيره؛ ويقول محيط المحيط: إن الحاتم أي الغراب الأسود سمي كذلك لأنه يحتم بالفراق في اعتقاد العيافة، وزاد على ذلك قوله: إن الغراب سمي غراب البين لأنه إذا بان أهل الدار للنجعة وقع في موضع بيوتهم فتشاءموا به