وتطيروا منه، فقالوا في المثل أشأم من الغراب إذ كان لا ينزل منازلهم إلا إذا بانوا (أي بعدوا) عنها. وربما يرجع أيضا إلى علاقة لفظية بين اسمه وبين الغربة والغراب أي النزوح عن الوطن والأهل والأحباب.
وعلل الجاحظ تطير العرب من الغراب في كتاب الحيوان فقال:(وأصل التطير إنما كان من الطير إذا مر بارحا أو سانحا (أي عن اليمين أو عن اليسار) ورآه المتطير يتفلى أو ينتف ثم صاروا إذا عاينوا الأعور من الناس أو البهائم أو الأعضب أو الأبتر زجروا عند ذلك وتطيروا كما تطيروا من الطير، فكان زجر الطير هو الأصل اشتقوا منه التطير ثم استعملوا ذلك في كل شيء، والغراب لسواده إن كان اسود، ولاختلاف لونه إن كان أبقع، ولأنه غريب يقطع إليهم، ولأنه لا يوجد في موضع خيامهم يتقمم إلا عند مباينتهم لمساكنهم ومزايلتهم لدورهم، ولأنه ليس من شيء من الطير اشد على ذوات الدبر من ابلهم من الغربان؛ ولأنه حديد البصر قالوا عند خوفهم من عينيه الأعور، كما قالوا غراب لاغترابه وغراب أبي لأنه عند بينونتهم يوجد في دورهم.
وقال ولإيمان العرب بباب الطيرة عقدوا الرتائم وعشروا (أي نهقوا عشر مرات) إذا دخلوا القرى تعشير الحمار. والغراب اكثر من جميع ما يطير به في باب الشؤم. لكنهم لم يكونوا في ذلك سواء، بل نفى بعضهم التطير، قال سلامة بن جندل:
ومن تعرض للغربان يزجرها ... على سلامته لابد مشؤوم
وقال غيره:
يا أيها المزمع ثم انثنى ... لا يثنك الحادي ولا الشاحج