واقتربنا من بيت المقدس فسكت محدثي قليلاً ثم سأل: هل لي أن أتشرف بمعرفة سيدي؟ قلت: مصري قال: نعم لقد عرفت ذلك من حديثك، ولكن. . . يخيل إلي أني أعرف أكثر من ذلك عن سيدي. . . ولولا أن الجرائد تقول إن الأستاذ سعيد العريان لا يقدم إلى القدس إلا غداً، لقلت إنك هو. . . إنني أعرفه بصورته من مجلة الرسالة. . .!
وكانت أول تحية كريمة يلقاني بها أديب من شباب فلسطين، وكانت مفاجئة؛ فأحسست شيئاً من الخجل والارتباك، لم أجد معهما إلا أن أمد يدي إلى صحفة بيده مستأذناً، فدفعها إلي؛ وفيها قرأت أنني قادم إلى القدس في صباح الغد. . . وهو الموعد الذي كنت حددته من قبل لمحطة الإذاعة، ثم فكرت بالسفر قبل ميعادي بيوم. . .
إنني لم أكن أقدر - وأنا من أنا في نفسي - أنني سأجد من يعرفني في فلسطين أو يهتم لمقدمي؛ ولو أنني قد بلغت بنفسي من الغلو أقصى ما تبلغ إليه أمنية شاب مثلي، لكان ما رأيت من حسن استقبال المقدسيين وحفاوتهم فوق ما تبلغ منية المتمني ولا أزهو بنفسي فأزعم أنني أهل لبعض ما لقيت، ولكنه كرم الفلسطينيين العرب يأبى إلا أن يستعلن في كل مناسبة ولكل مجال
وفي دار شيخ أدباء العروبة الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي كان مقامي طول المدة التي قضيتها في فلسطين. لقد دخلت فلسطين وأنا خفيف الظهر فما فارقتها حتى كان عليّ من الدين لهذا الرجل الكريم ما ينوء به كاهلي؛ فشكراً له ثم شكراً ثم شكراً. . . ومعذرة إليه إن عجزت عن الوفاء!
وصحبتني طائفة كريمة من الأدباء في غدوي ورواحي، لتهيئ لي أسباب التمتع في الرحلة بين المشاهد المقدسة والبيوت الأثرية، فزرت المسجد الأقصى، وقبة الصخرة ومصلى عمر، وكنيسة القيامة، ومصعد المسيح، وبيت لحم، والمتحف الإسلامي، وكلية الروضة، والنادي المصري؛ وتمتعت برحلات عدة كان رفيقي في أكثرها الأستاذ الأديب إبراهيم طوقان وكيل القسم العربي في محطة الإذاعة. ولن أنسى ما حييت فضله وفضل الأصدقاء الكرام: الدكتور إسحاق الحسيني، والشيخ يعقوب البخاري افندي، والأستاذين داود حمدان، وعبد الحميد يس، وغيرهم من أدباء فلسطين وأهل الرأي والجميل
وإذا كان لي أن اذكر شيئاً بخصوصيته في هذه الرحلة؛ فان اليوم الذي خطبت فيه في كلية