للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قرأت ما يدور الآن من الجدل بين أنصار الرافعي وأنصار العقاد، وقد أردت أن أدلي بهذه الكلمة الصغيرة في البيت الذي يطعن فيه أنصار الرافعي من قصيدة العقاد في الغزل الفلسفي:

فِيكِ مِني ومن الناسِ ومِن ... كلَّ موجودٍ وموعودٍ توأم

فقد ذهب الرافعي رحمه الله في نقده إلى أن من كل موجود البق والقمل والنمل والخنفساء والوباء والطاعون والهيضة وزيت الخروع والملح الإنجليزي، إلى واوات من مثلها لا تعد، أفيكون هذا كله في حبيب إلا على مذهب العقاد في ذوقه ولغته وفلسفته؟

ورأيي في هذا أن العقاد يمشي في بيته مع بعض الفلاسفة الذين يرون كل شيء في الطبيعة جميلاً، ويذهبون فيها مذهب الهيام الذي يبدي كل شيء فيها حسناً، وهذا شأن كل محب مع حبيبه إذ يبلغ به الهيام فيه إلى حد لا يرى فيه نقصاً أو عيباً، بل إلى حد ان يرمي نقصه كمالاً وجمالاً:

وعَينُ الرضا عن كلِّ عيب كليلة ... ولكنَّ عين السخط تُبدي المساوِيَا

فبيت العقد من هذه الناحية منسجم مع موضوع قصيدته في الغزل الفلسفي، ولم يكن فيه محتاجاً إلى تقييد جرير في قوله:

ما استوصف الناسَ من شيءٍ يَرُوقُهمُ ... إلا أرى أمَّ عمرو فوق ما وصفوا

لأن جريراً لم يكن يتغزل على ذلك النحو الفلسفي، وإنما كان يذهب في غزله المذهب الظاهر في الشعر العربي

ولابد أن نشير بعد هذا إلى أن كل شيء في هذا الكون لا يخلو من حسن يسوغ إجراء بيت العقاد على عمومه، وقد ذهب إلى هذا بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) قال العلامة الزمخشري: إنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة، وأوجبته المصلحة، فجميع المخلوقات حسنة، وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن

عبد المتعال الصعيدي

حول الفيلسوف (مسكويه) وعصره

<<  <  ج:
ص:  >  >>