خُطاي إليها غداة مقدمي، وقد كان ذلك في نفسي، لولا أنني كان لا بد لي من رفيق يرشدني إلى الطريق، وكان احتياجي إلى الرفيق هو الذي جعل زيارتي للقنصلية آخر طوافي؛ فمعذرة إلى الأستاذ الأديب محمد حامد بك قنصل مصر في فلسطين الذي جعل أول لقائه إيانا عتاباً كريماً كان له في نفس موقع جميل، وكانت تحية صريحة لا تكلف فيها ولا رياء
زرت القنصلية في مساء الأربعاء ١١ مايو، فوافقنا الأستاذ متري بك وكيل القنصل خارجاً لبعض شأنه؛ فما رآنا حتى بدأنا بالتحية، وتقدمَنا إلى دار القنصلية، فقضينا في كرمة وقتاً ما ثم لم يلبث أن حضر القنصل، فما درى بمقدمنا حتى صعد إلى غرفته محتجاً على أن جعلتُ زيارته آخر طوافي؛ ثم عاوده كرم المصري فأرسل يدعونا إليه. . .
وكانت جلسة ممتعة، شهدتُ فيها ما لم أكن أتوقع، ولقيت ولقي أصحابي من عطف الأستاذ حامد بك وكرمه وأدبه ما أحرص على ذكرياته كأجمل ما شاهدت في فلسطين
والأستاذ حامد بك أديب واسع الاطلاع على رغم منصبه السياسي؛ وإنه لتوفيق عجيب أن يكون قنصلنا في فلسطين العربية له مثل حظ الأستاذ حامد بك من الاطلاع في الأدب وفي الثقافة العربية. ولقد عجبت - شهد الله - أن يبلغ هذا المبلغ في الأدب مصري من رجال السياسة؛ وكان آخر ما يدور في خاطري حين همت بزيارة القنصلية أن يكون لي هناك حديث في الأدب وفي شئون الأدباء كالذي دار في مجلس القنصل الأديب. . .
وأكثر من يذكر الفلسطينيون من رجالات مصر الراحلين، محمد عبده، ورشيد رضا، والرافعي، ولهم في نفوس منزلة من التقديس تضعهم في صف الخالدين من أبطال العربية والإسلام
وأحب كتاب العربية إليهم أسرة الرسالة، فهم يعرفون كتابها فرداً فرداً، ويقرءون لها ما يكتبون بشوق، وقلما تجد شاباً من شباب فلسطين لا يقرأ الرسالة ويحتفظ بمجموعاتها. وهم يعجبون أشد العجب حين يسمعون أن طائفة من شباب مصر لا يقرءون الرسالة! وأحسب لو أن أملهم تحقيق وصارت نسبة قراء الرسالة من المصريين تعدل نسبتهم في فلسطين لكان على الرسالة أن تطبع من كل عدد مائة ألف في الأسبوع. . .
وأكثر من يذكرون من الكتاب المصريين هم الأساتذة أحمد أمين، وعزام، والمازني،