وأحسب ذلك يرجع إلى سببين: أولهما أن الأدب في مصر عامة ليس له سوق نافقة بحيث يغري محطة القاهرة بالحرص على إرضاء مستمعيه. والثاني أنه ليس في القائمين على شئون محطة القاهرة أديب متخصص له في الأدب معرفة وإطلاع يحملانه على أن يعّد نفسه واحداً من الأسرة الأدبية في مصر بحيث يعرف اتجاه الجماعة في الأدب فيسير مع تطوراتها على نهج سواء.
على أن الإذاعة اليوم هي وسيلة من إحدى الوسائل في نشر الثقافة وتوجيه الرأي العام؛ فما ينبغي أن يحملها انصراف جمهور المستمعين عن الأدب على إغفاله؛ فإن لها من السلطان ما تستطيع به أن تحمل مستمعيها على العناية بالأدب والأدباء لو سارت على برنامج مرسوم إلى هدف مقصود. ثم إن مصر ليست هي وحدها التي تستمع إلى محطة القاهرة، ولكن أقطاراً أخرى من أقطار العربية لها علينا من الحقوق الأدبية ما يحملنا على إرضاء مستمعيها وكلهم يرفعون الأدب أسمى مكان.
وإذ ذكرت هذا فما ينبغي أن يفوتني ذِكر الشاعر الأديب الأستاذ إبراهيم طوقان وكيل القسم العربي في محطة القدس؛ فأنه من خيرة شباب فلسطين ثقافة وأدباً وتحصيلاً، وله في الأدب آثار باقية؛ وبمثله في محطة القاهرة يمكن أن نتلافى هذا التقصير في حق الأدب والأدباء.
والمصريون في فلسطين عدد غير قليل يعيشون في أمن وسعة ولهم في القدس نادٍ جميل في حيّ عامر يتبعه مدرسة ليلية وفرقة كشافة. دعاني إلى زيارته سكرتيره الأستاذ عبد الفتاح لاشين المصري المدرس بكلية الروضة في مساء الأربعاء ١١ مايو فذهب إليه مع الأصدقاء الأساتذة عبد الرحمن الكيالي، والشيخ يعقوب البخاري، وداود حمدان؛ فوجدت النادي مزيناً أبدع زينة احتفالا بالمولد النبوي، وثمة شيوخ يقرءون قصة المولد، والنادي مزدحم بالمصريين وضيوفهم من الفلسطينيين، يستمعون إلى ترتيل القارئ في خشوع وإيمان؛ واستقبلتنا فرقة الكشافة على الباب استقبالا مصرياً كريماً. ثم ودَّعَنا أعضاء النادي بعد مجلس قصير، بكثير من الحفاوة والإكرام
وكان آخر طوافي في القدس، في القنصلية المصرية. وما أنكر أنه كان علىَّ أن أجعل أوَّل