بلاده، وحماسةً في الدفاع عن حق بلاده. وفي مصر (كانت) حركة وطنية، وكان لها حدّةٌ وشدّة، فما طغت في يوم من أيامها على آراء المصريين ولا فرضت سلطانها على مجالسهم بمقدار ما شغلت الحركة الفلسطينية خواطر العرب في فلسطين. وتسأل: لماذا؟ فيجيبك قائلهم:(لقد كانت ثورتكم الوطنية في مصر للاستقلال، والاستقلال عندكم ترف سياسي؛ ولكن ثورتنا الوطنية في فلسطين للحياة. إن السياسة العامة في فلسطين هي سياسة كل فرد في أهله، وفي دينه، وفي ولده، وفي حقله، وفيما يملك؛ إننا إن لم نكافح كفاح الموت في هذه الثورة الوطنية، فلن تجد منا غداً عربياً واحداً في فلسطين. . .!)
وصدق القائل؛ فما في فلسطين اليوم ثورة وطنية كبعض ما نعرف من الثورات السياسية في التاريخ، ولكنه جهاد الأحياء للحياة، كما يجاهدون للطعام والشراب، فأما ظفروا فعاشوا في بلادهم آمنين كما يعيش كل شعب في بلاده؛ وإما. . . وإما كانت فلسطين هي الأندلس الثانية: لا يُذكر فيها أسم الله ولا ينطق فيها بكلمة التوحيد. . .!
وحاولتُ أن أعرف في فلسطين من حال المرأة العربية المسلمة التي سمعت بجهادها وبسالتها فيما تنقل جرائدنا من أخبار الثورة العربية في فلسطين؛ فإذا بيني وبينها حجاب؛ فلا ترى في الطريق واحدة منهن في مثل حال أختها المصرية: تسير في الطريق شبه عارية في ثوب مهلهل إن لم يشفْ يصفْ، ولكن وجوهٌ إلا يكن عليها حجاب فأن فيها حياء. . . إلا وجوهَ الغواني من بنات صهيون ونساء المهاجرين.
ومحطة الإذاعة في فلسطين غيرها في مصر؛ فهي هناك مصلحة حكومية وهنا شركة يربطها بالحكومة عقد تجاري؛ على أن أول ما تلاحظه من الفرق بين المحطتين هو عناية محطة فلسطين بالأدب والأدباء وإغفال شأنهما في مصر؛ فلولا محاضرة أو محاضرات يذيعها كل سنة من محطة القاهرة الأساتذة طه حسين والمازني وهيكل والبشري - ليس غير - لما درى السامع من بعيد أن في مصر أدباً وأدباء. على أن أكثر ما تذيعه القاهرة من موضوعات الأدب بعيد عن مناسباته؛ فما هو إلا إعلان عن كتاب، أو تعريف بإنسان، أو حديث معاد، أو خطبة منبرية ذات مواعظ وأمثال. . . أو فكاهة رخيصة. . . وقلما يتنبه القائمون على تحضير برامج الإذاعة في محطة القاهرة، إلى مناسبة من المناسبات الأدبية العامة ليجعلوا لها موضعها من البرنامج في ميعاده، إلا أن يتقدم إلى ذلك من يتقدم