مشقة. . . زعامة الدعاوى الفارغة، والتشدّق الكاذب، ولغو الأحاديث. . . وإلا فهل ذكرت مصر ما عليها للأقطار العربية حين سرّها أن يقول القائلون إن مصر زعيمة الأقطار العربية؟
ومعذرة يا بلادي! إنك لأهلٌ للزعامة والجاه والسلطان ولكن. . . ولكنك لا تريدين أن تفرضي على نفسك ما تفرضه الزعامة على أهلها من مشقات وتكاليف، وهيهات هيهات أن تدوم الزعامة لزعيم لا يفرض على نفسه أن يبذل أكثر مما ينتفع. . . وفي الحياة عبر وأمثال. . .
وجلستُ في مجلس طائفة من الأدباء أستمع إلى أحاديثهم ومداولاتهم، فإذا شباب هناك يسبقون الكهول عندنا في البحث والمطالعة والاستقراء، وإذا علم وأدب واطلاع، وإذا طرائق في البحث لا يعرفها إلا الأفلون من أدباء المصريين. . . وسمعت أسماء كتب مصرية جديدة في السوق، لم يعرفها بعدُ في مصر إلا مؤلفها والصفوةُ من أصحابه، ودار جدال حول معارك أدبية في جرائد مصر لم يكن مبلغ علمي بها إلا عنوانها وكاتبها. . . وجرت مصاولات، وتداولت آراء، وتنوعت أساليب الحديث؛ وخرجتُ بالصمت عن لا ونعم، وطارت خواطري إلى مصر، وإلى مجالس الأدباء في مصر، وإلى حظ الأدب والأدباء في مصر؛ وأطرقتُ من حياء. . .
مصر زعيمة الأقطار العربية. نعم، إن فيها لكُتاباً وأدباء وشعراء، وإن فيها لجرائد وكتباً ومجلات، وإن فيها لتعليما ومدارس وجامعتين، وإن فيها لمطابعَ تخرج كل سنة مئات من الكتب في مختلف العلوم والفنون والآداب، ولكن. . . ولكن مصر ليس فيها قراء. . .
مصر!. . . إن لمصر فضلاً على العالم العربي لا ينكره جاحد، ولكنه فضل المطبعة والجريدة والكتاب لا فضل المصريين. . .
مصر. . .! هل يعلم كتابها وشعراؤها ومؤلفوها أن كتبهم ودواوينهم ومؤلفاتهم أشهر وأذْيع في الأقطار العربية منها في بلادهم؟
رجاء إليكم أيها الكتاب والشعراء والمؤلفون: لا تسموها زعيمة الشرق العربي، ولكن سموها (مطبعة) الشرق العربي!
ولا تجلسُ إلى عربيّ في فلسطين إلا سمعت له حديثاً في سياسة بلاده، ورأياً في سياسة