للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما أبعد بك فهذه قولته:

(مسكرة للعاشقين كأن نهر الخمر في الجنة جعل فمها لهذا العاشق حانة)

ولعل أحداً من المتعسفين في التأويل والتخريج، حسب الأهواء والميول، يروح يقول لك: يا لله! إن نهر الخمر الذي في الجنة هو الذي جعل فمها حانة. فهي حانة من خمر الجنة لا من خمر الدنيا!

ولكن أفما كان هناك معدي عن هذا التعبير وهذا التشبيه؟ ألا يمكن أن تكون مسكرة حتى يكون فمها حانة، لا كأساً لطيفة، ولا قارورة مختومة، ولا دناً أو (برميلاً) من الخمر؟ ولا يكون حانة كاملة بما فيها من الدنان والكؤوس والشاربين والندمان، وبما فيها من عبث الشاربين وأنفاسهم وما يلي ذلك من عواقب السكر وصرعة الخمر

الذي لا يطيق أن يرمي فنان خصوم الجمال بأنهم غير أحياء وأنهم موكلون بالجيف، هو الذي يطيق أن يرمي حبيبته نفسه بأن فيها حانة بما فيها؟!

هو ذلك. لأنه لا عقيدة فيما يكتب، فهو ينقد لشفاء الحزازات ويتلمس مواضع التشنيع التي لا سقطة فيها على الحقيقة، وإن كان له هو على غرارها - مع الفارق - سقطات وسقطات!

ويقول العقاد متفكها، وفي فصل يسميه (فكاهة) ويعنون له بهذا العنوان

من رأى زُهرة الجمال فهذي ... زهرة القبح أسفرت تتحدى

طلعة الشؤم من رآها يخلها ... خلقت من وجوه سبعين قرداً!

فما يلمح الرافعي هذا القول، حتى يغرق في ضحك مصطنع طويل؛ وهو يقول وما الفرق بين أن تكون طلعة الشؤم هذه خلقت من وجه قرد، أو من سبعين أو سبعمائة؟

والمسألة هنا ليست هكذا، فوجه القردليس كل ما فيه قبيحاً، فشدة الاحتياط في (الفكاهة) جعل العقاد (طلعة الشؤم) مؤلفة من القبح المستخلص من وجوه سبعين قرداً، ليكون قبحاً خالصاً مركّزاً!!!

وهي على كل حال (فكاهة) والإغراق فيها يزيد حسن وقعها، ولا يعطل من قوتها شيئاً، وهو كل المقصود بالفكاهات.

أما الرافعي الذي يعيب ذلك فاسمه يقول جادّا لا متهكما ولا متفكها. (وأصعب ما تكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>