وليس هنا مجال انتقاد هذا المذهب في النقد، ولكني أكتفي بإثبات سوء رأيي فيه، وظني به القصور والجمود
إنما يهمني ما قال الأستاذ من أن العقاد ذكر (من كل شيء) دون أن يضع للفظ المطلق شيئاً من الحواجز والحدود التي تمنع إرادة الإطلاق والتعميم، فلم يبق إذن بد من أن يفهم الرافعي، وأن يتابعه هو في الفهم، أن (من كل شيء) تشمل ما ذكر من قاذورات وأوحال
ويبدو لي أن الحواجز والحدود المقصودة لا يمكن أن تكون إلا من نوع الحواجز التي توضع للخيول والكلاب في السباق، أو الحبال والأسلاك الشائكة التي تصدم الجسم وتخز اللمس!
ويبدو لي كذلك أن (الذوق الإنساني) الذي يمنع إرادة مثل تلك المقاذر، هو الأمر الوحيد الذي لا يحسب حسابه عند الرافعي وبعض متابعيه. وإلا فقد كان حسب الأستاذ أن يحيل حديث الرافعي في هذا إلى ثورة حقده، وحبه للمكيدة والإغاظة، فيخرج من تلك الأشواك التي ألقى فيها دون حساب!
ثم ماذا؟
ثم ذكرني بشيء كنت قد نسيت الإلمام به، بعد ما التفت خاطري إلى فساده وسوء دلالته على فهم الرافعي للأدب الحي. وذلك بقية ما كان عقب به على هذا البيت من أن أعرابياً قال وقال. . . فجعل حبيبته (أصفى شيء، وأغلى شيء، واسعد شيء)
هذا في الواقع مفرق الطريق بين الرافعيين والعقاديين؛ أو بين المدرسة القديمة والمدرسة الجديدة على الإطلاق. ولا بأس من توفية الكلام فيه بعض حقه، وربما عدت إليه في كلمة منفصلة أو في ثنايا كلمات أخرى
المبالغة عند المدرسة القديمة هي مناط البلاغة، لا يستثنون من هذا إلا ما اعتبروه مغالاة، تمس العرف أو الدين، أو تناقض الحس والمشاهد. والصدق الجميل هو مناط الاستحسان عند المدرسة الحديثة
فليس يهم الشاعر المجد في هذا العصر أو في قديم الزمان، أن يجتمع في حبيبته كل ما تفرقه الأوصاف في الجميلات، ولكن يهمه أن يصور محاسنها هي، الخاصة بها، وأن يعبر عن شخصيتها ومميزاتها كما هي في نفسه