تحرك نفسه وتستثير وجدانه، ولأن رسالة من الرسالات الإنسانية الكبيرة ينبض بها قلبه الكبير. وهل عهدنا عليه من قبل ما نحمل معه اشتغاله بالسياسة على غير محمله؟ حاشا أن يكون ذلك من صفات أمثاله وإلا فما أضيع البشرية وما أهون أمرها.
على أنه لم ينفض يده من المحاماة بعد؛ فحرفته التي يكسب منها قوته لا زالت حتى اليوم هي تلك الحرفة التي مال إليها بفطرته والتي ارتفع بها إلى مستوى إنساني يحق معه لأربابها جميعاً في كل جيل أن يذكروا أسمه كعلم من أعلام المدنية، وأن يضيفوه إلى ما يعتبرونه في مهنتهم من دواعي الشرف وبواعث المفاخرة
ومن أفعاله في المحاماة يومئذ حادثة نرويها لدلالتها على ما كانت تنطوي عليه تلك النفس الكبيرة من المعاني الإنسانية، تلك النفس التي لم يتطرق إليها ما يتطرق إلى النفوس في هذا العالم الخبيث من خبائث تشوهما وأوشاب تذرى بها وهي في حال غريبة، تحار معها هل تعدها آدمية أم تعدها بهيمية؟
وقع بصره في إحدى الصحف على جريمة قتل يدعى أحد المتهمين فيها أرمسترنج، فدهش وتساءل هل يكون ذلك ابن متحديه ثم صديقه القديم عندما كان فتى يبيع في الحانوت وهو غريب في نيو سالم. ولما تبين له أنه هو كتب إلى أمه يقول:(عزيزتي مسز أرمستنج: علمت الآن بألمك العميق وبإلقاء القبض على ابنك متهماً بالقتل؛ ويصعب على أن أصدق أنه عسى أن يرتكب ما اتهم به. إن ذلك لا يبدو ممكناً. وإني لارجوا أن يجري معه تحقيق عادل على أي حال؛ وإن عرفاني بالجميل نحوك وما كان لي منك أيام شدتي من عطف طالت أيامه ليحدوني أن أتقدم في سماحة نفس بخدماتي المتواضعة لصالحه؛ فأن هذا سوف يتيح لي الفرصة أن أرد بقدر ضئيل تلك المبرات التي نلتها على يديك ويدي زوجك المأسوف عليه، حيثما لقيت تحت سقفكم مأوى كريماً بغير مال وبغير ثمن)
وتبين لابراهام براءته فعمد في دفاعه إلى طعن حجج المبطلين من الشهود. ومن ذلك أنه سأل أحدهم كيف رآه ينفذ الجريمة فأجاب إنه رأى ذلك على ضوء القمر، فطلب المحامي نتيجة، ومنها تبين للمحكمة أن ليلة القتل كانت ليلة ممتعة؛ ودار الدفاع حول تسفيه آراء الشهود حتى أصدرت المحكمة حكمها بالبراءة