النعام، والعاج والبخور، والتوابل، والبهارات - بالمنسوجات والمصنوعات الخزفية، والحرير، والأدوات التي كانت ترد من سواحل فلسطين الفينيقية، ومن سوريا، ومصر، فاثروا من ذلك ثراء طائلا، واستولوا على جميع الطرق التجارية، واحتكروا النقل عليها بغير منافس مدة طويلة من الزمن، حتى كانت جواسقهم تفهق بالمال، وآبالهم تنوء بالخير والرزق، فتجردوا عن بداوتهم وبدءوا بالتحضر رويداً رويداً فزادت معنوياتهم وقويت شوكتهم وهيبتهم، حتى لقد خطب البابليون ودَّهم وتحالفوا معهم فتخوف منهم الآشوريون وسيروا إليهم ٦٤٦ق. م قلة من جيوشهم فغلبت ملكهم ناطمو، وأخضعوه لسلطتهم حيناً من الزمن. ولما اعتلى أشور بانيبال العرش الأشوري، جرد جيشه ثانية وأعاد الكرة على البابليين، فالتقى بهم في عزاليا (٦٤٠ - ٦٢٨ق. م) وقد انضم إليهم الأنباط، فدارت بين الفريقين رحى الحرب، وكان النصر أخيراً للآشوريين عليهم، وذلك للمرة التاسعة فأسروا امرأة يوتحا وأخته وأمه، وحملوهن إلى الشام، وقطعوا على الأنباط موارد الماء جميعها، وذلك لانضمامهم إلى أعدائهم البابليين، ولأنهم أجاروا ملكهم (يوتحا)، ولما اشتد بهؤلاء العطش ولم تغنهم عن المال آبالهم العديد التي نحروها، قبضوا على يوتحا وسلموه إلى أعدائه الآشوريين، فأرسله إلى نينوى وشدوه من فكه إلى أحد أبوابها حيناً من الزمن
وفي عام ٣٣٤ ق. م. اكتسح الاسكندر المقدوني سوريا وفلسطين، وكان الأنباط قد تحصنوا في بلدة غزة، فلما جاءها قاومه النبطيون مقاومة شديدة، ولكنه أخيراً تمكن من فتحها واكتساحها
وفي عام ٣١٢ ق. م. وجه ملك سوريا (أنتفونس) إلى الأنباط جيشاً لجباً مؤلفاً من ستمائة فارس وأربعة آلاف من المشاة وكان على رأسه القائد العظيم أثنيوس. فاخترق عمون ومؤاب بدون مقاومة ثم نزل بترا فجاءة واحتلتها بسهولة، ذلك لأن الأنباط كانوا يقاتلون في بعض الجهات الأخرى، ولما عاد جيش النبطيين من جهاده حمل على الجيش اليوناني حملة غماء الجبين، وهزمه هزيمة منكرة، واستأصل شأفته، حتى لم ينج من ذلك الجيش الجرار سوى خمسين فارسا
ثم جهز انتفونس جيشاً آخر مؤلفاً من أربعة آلاف فارس ومثلها من المشاة بقيادة ابنه ديمتريوس، وسيره ليثأر لأبطاله من الأنباط، ولكن النبطيين هجروا المدينة (بترا) بإبلهم