للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجود الكائنات الخارجية، إذ لو كانت وهمية، لترتب على ذلك أن يكون الله خادعا، لأنه هو الذي أمدنا بتلك العقول الخادعة، وهو الذي يصدر لنا جميع ما ندرك، وإذن فالعالم الخارجي موجود وليس في وجوده شك.

ولنوجز ما أسلفنا في حلقات منطقية متتابعة، نقول: أنا أفكر، فأنا موجود، وليس في وجودي شك. ومادمت أشتمل على فكرة الكائن اللانهائي، وهذه لا يمكن أن تشتق من طبيعتي المحدودة، فلا بد أن تكون ناشئة عن سبب خارجي يتكافأ معها، وهو الله. ومادام الله حائزا لجميع ضروب الكمال، فيستحيل عليه أن يضللنا، ولابد أن يكون ما وهبنا من عقل أداة صالحة، وأن ما ندركه حق واقع، وإذن فهذا العالم الخارجي الذي تصوره لنا عقولنا موجود لا ريب في وجوده، وبعبارة أوجز، نقول إن ديكارت بدأ بإثبات نيته، ثم رتب عليها وجود الله، ثم استنتج من وجود الله وجود العالم الخارجي.

٤ - ولكن ما هو لك العالم الخارجي؟ ومم يتكون؟ يحدثنا ديكارت أننا نستطيع أن نرد مظاهره إلى أصلين، أو فكرتين وهما الامتداد والفكر، أو بعبارة ثانية القوة والمادة. فهما شطران منفصلان لا يعتمد الواحد منهما على الآخر بأية حال من الأحوال، وهذا هو مبدأ ثنائية الوجود، أي شطر الكون إلى عنصرين متميزين، أما أحدهما وهو المادة وصفته المميزة هي الامتداد طولا وعرضا وعمقا، إذ لا نستطيع أن نتصور مادة بغير امتداد. وأما الثاني وهو العقل، فخاصيته المميزة هي الفكر، فهو يفكر تفكيرا متصلا لا ينقطع لحظة، كما ينبعث الضوء عن الشمس والدفء عن الحرارة. أي أنه في وعي مستمر دائم، حتى أن ديكارت لم يستطع أن يتصور الجنين وهو في أحشاء أمه بغير تفكير! ويظهر من هذا أن خلافا جوهريا يفصل بين شطري الوجود: المادة والروح، وبالتالي بين جسم الإنسان وعقله، فهما نقيضان مختلفان في الجوهر والعرض على السواء، وان كان ذلك كذلك، فكيف أمكن اتصالهما، وكيف يؤثر أحدهما على الآخر؟ هنا لا يتردد ديكارت في أن ينكر العلاقة بين عنصرين هما على أشد ما يكون التباين بينهما، ويعتقد أنها إرادة الله وحدها التي تشرف عليهما، وتدبر حركاتهما: فأما الجسم فخاضع لما تخضع له كل الأجرام المادية الاخرى من قوانين، وليس للعقل من القوة ما يستطيع بها أن يدفع الجسم إلى الحركة، اللهم إلا إذا وافقت إرادة الشخص إرادة الكائن الأعلى. إذن فالوجود عند ديكارت ينحل إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>