واحد، ناقص اثنان، ناقص ثلاثه. . . . . ناقص لا نهاية. وبذلك تكون قد حصلت على عدد غير محدود من رقم محدود. ولكنك نسيت حين تقدمت بهذا الاعتراض، إنها عندئذ تكون سلبية، في حين أني أتصور لا نهاية إيجابية، كالمكان اللانهائي والزمان اللانهائي وما إليهما.
أتستطيع أذن أن تحدثني من أين جاءتك هذه الفكرة، بعد أن وثقت معي أنها لم تتفرع عن فطرتك؟ لا أحسبك مترددا في أن توافق ديكارت فيما ذهب إليه من أن هذه الفكرة اللانهائية الكاملة لا يمكن أن تنبعث عن الطبيعة البشرية الناقصة، بل لابد لها من أصل يوازيها كمالا وعظمة، لضرورة التكافؤ بين العلة والمعلول، ومن هنا أصبح حتما علينا أن نسلم بوجود اله جامع لكل صفات الكمال، وهو الذي خلق في الإنسان هذه الفكرة وألهمه إياها، وأذن فالله موجود وليس في وجوده شك.
٣ - إثبات وجود العالم الخارجي
لقد رأيت فيما سبق كيف حمل ديكارت معول الشك، وقوض به كل فكرة ورأي، وأنكر الوجود بأسره، بل وأنكر نفسه، خشية أن يكون مخدوعا متورطا في خطأ أوحى به إليه فقابله بالتسليم، ثم سار في طريق المنطق السليم حيث انتهى إلى إثبات وجوده، ثم رتب على وجود نفسه وجود الله، وهاهو ذا يستنتج من وجود الله وجود العالم الخارجي. . . أليس الله هو ذلك الكائن اللانهائي، المطلق القوة، الذي لا تحده الحدود؟ أليس هو علة وجود نفسه وهو خالق الكون؛ أذن فلا ريب في أنه كائن كامل لا تشوبه شائبة من نقص، لأنه ما دام قادرا، مطلقا في قدرته، فمن الطبيعي أن يكون عمله مثلاً أعلى للكمال، لأن ذلك في حدود استطاعته، وما دام حائزا ضروب الكمالات المختلفة، فهو إذن متصف بالصدق الذي لا يخالطه ذرة من خداع، ومعنى ذلك أنه يستحيل على الله أن يكون سببا في تضليل الإنسان وخداعه. فقد منحنا عقلا مفكرا، وضمن لنا أن نصل به إلى معرفة الحق إذا أحسن استعماله، فلا نعتبر حقا ألا ما يحكم العقل بصحته حكما يقينا قاطعا لا يقبل الشك.
وإذن فقد أصبح من اليسر أن نقيم الدليل على وجود العالم الخارجي، فقد كنا شككنا في وجوده، لجواز أن تكون عقولنا خادعة تصور لنا الباطل حقا، فأما وقد أقمنا الدليل على وجود الله، وأثبتنا له جميع صفات الكمال، ومن بينها الصدق، فيجب ألا يعثر بنا الشك في