للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنسان يخرج إلى هذا العالم وفي فطرته طائفة من هذه الحقائق اليقينية الثابتة التي تحتمل الإنكار أو الشك، وهي لا تأتي عن طريق التحصيل، كالحقائق الرياضية مثل٢و٢ تساوي٤، فهذه حقيقة مؤكدة، وليست تجيئك عن طريق الحواس، إنما هي مفطورة فيك منذ الولادة، وقل مثل ذلك في كل البديهيات العقلية كأن تقول أن الجزء أصغر من الكل وما إلى ذلك مما هو معروف معلوم.

٢ - إثبات وجود الله

يتضح مما سبق أن ديكارت بعد أن أنكر كل شئ، عاد فأثبت وجود نفسه، ثم أتبع ذلك بالاعتراف بوجود بعض الحقائق الفطرية الثابتة، كالتي قدمناها مثلا. . . . فنحن إذا زعمنا أن شيئا لا يستخرج من لا شيء، فإنما نقرر حقيقة لا تقل يقينا عن حقيقة وجود العقل المفكر، لأنها واحدة من تلك البدائة التي لا تحتمل الرفض والإنكار. إذ لا بد أن يكون الفرع مستغرقا في أصله، والنتيجة في مقدمتها. ومن ذا الذي يستطيع أن يصدق أن الجبل الشامخ قد خرج من ذرة حقيرة، وأن البحر الخضم قد اشتق من قطرة صغيرة؟. يستحيل أن يكون ذلك لأن الذرة لا تلد إلا ذريرة أصغر منها، بناء على البديهية التي أسلفنا ذكرها وهي أن شيئا لا ينشأ من لا شيء

أذكر هذه البديهية جيدا، ثم أستعرض ما يحويه رأسك من صنوف المعارف، قلب النظر فيما يدور بخلدك من أفكار، فماذا ترى؟ ترى أن لكل فكرة أصلا أعم منها وأشمل، وهذا طبيعي لأن الصورة لا يمكن أن توضح أكثر من أصلها، أو قل تجيء على مثاله على أكثر تقدير، كذلك ترى أفكاراً فطرية نشأت معك منذ ولدت ولم تستمدها من العالم الخارجي. ولكنك في هذا البحث الذي تستعرض به أفكارك وتردها إلى أصولها، ستصادف بينها فكرة ممتازة، هي فكرة الكائن اللانهائي، أي أنك تتصور كائنا لانهاية له ولا حدود، فمن أين جاءتك هذه الصورة؟ يستحيل أن تكون قد سبقت من فطرتك، لأنها أوسع منك، فأنت على نقيضها كائن محدود، وبديهي - كما أسلفنا لك القول - ألا تجيء الصورة أشمل من أصلها، ومحال أن يتفرع شيء من لا شيء، وبالتالي محال أن يتفرع الكائن اللانهائي المطلق من كائن نهائي محدود. تستطيع أن تعترض على هذا القول بأن تزعم أنك قد تستخرج من الواحد الصحيح عداً لانهائيا بالطرح المستمر، فتسير في العد سلبا، ناقص

<<  <  ج:
ص:  >  >>