للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مخلوق أو خضوع متهور

ثم شعوذة الحواة وحسبك منها السراب!!

مضينا في السيارة من الضحى إلى الغروب ثماني ساعات بين مرسى مطروح وسيوة فلم يغب قط عن أبصارنا منظر هذا السراب بعلو ويهبط، ويبدو ويختفي، ويتراءى حتى لا شك في صدقه، ويتوارى حتى لا شك في كذبه وزوره

السراب السراب!! ما أشبه الحقيقة فيه بالكذاب، وما أولاه منا بالعجب العجاب!

لقد عدنا وعلى الأفق غاشية من سحاب رقيق فلم نر سراباً في طول الطريق

فقلنا لبعض أصحابنا في السفر: أرأيت كيف يكون النور سبيل الضلال في بعض الأحايين؟ ترجم هذا لأعداء الحديث من الشعر وقل لهم: إن الذي يتحدث عن (ضلال النور) لا يتحدث بالأحاجي والألغاز، ولا يقول إلا ما تبصره العين فكيف بالضمير وكيف بالخيال؟ وقل لهم إنهم لا يفهمون الصحراء وهم يعيشون منها بين ذكريات النوق والوهاد، وأساطير الأفراس والجياد. وقل لهم بالإيجاز أنهم لا يفهمون!

سراب الصحراء، هذه المشعوذة البارعة

وخمر الصحراء، هذه المشعشعة الصارعة

وغيبوبة الصحراء، هذه المنومة الفارعة

وعراقة الصحراء هذه القديمة في الآناء، القديمة في الآماد والأجواء، القديمة في العروق والدماء

ذلك هو سحر الصحراء!

عباس محمود العقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>