للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وما كان اليونان والبلغار وسواهم مرهقين متقهقرين لاتخاذهم الثقافة العربية فأنهم ما عرفوها وما عملوا بها بل كان موقفهم شبيهاً بموقف بلاد العرب تجاه دولة بينها وبين العدد الأوفر من رعاياها مهاو وأغوار. تلك حقائق لم تخف على الداهية أتاتورك فأنه عرف ما هي فطرة الشعب التركي وما هي الحالة الاجتماعية التي تتفق وما كمن في حوافزه. ويعلم المفكرون ما رمى إليه هذا المصلح لدولته من إضعاف كل عنصر لا يجاري روحها حتى أنه ناصب العداء الحروف والألفاظ العربية التي كانت اللغة التركية في عراك مستمر معها

أما ما يقوله المناظر عن أن اليابان نهضت بالمدنية الغربية بعد أن أعرضت عن منطق الحياة الشرقية، ففيه حقيقة كبرى تقوم برهاناً على خطأ نظريته. فأن اليابان لم تزل متمسكة بثقافتها كل التمسك وفي ذلك سر ارتقائها، فهي لم تأخذ من الغرب إلا الآلة والآلة فقط، وما الآلة إلا نتاج العلم العملي الوضعي الذي رافق الإنسانية منذ اكتشفت أول مكتشف شرارة النار في كهفه واتخذ في الصوان في العصر الحجري أوائل الآلات للحرث والقطع، وقد مر العلم على أدمغة جميع الشعوب على ممر الأجيال فليس للهندسة والكيمياء وعلوم الأحياء وسواها أي طابع قومي. ولو كان يصح أن تسند هذه العلوم إلى قوم دون سواهم لكان لنا أن نطالب بأن يطبع على كل آلة وجهاز اسم علم من أعلام العرب، إذ لولاهم لما كانت الحلقة الكبرى التي وصلت بين سلسلتي الماضي والحاضر، ولكانت أوربا لم تزل أوروبا القبائل الغارقة في بحر الظلمات

البقية في العدد القادم

فليكس فارس

<<  <  ج:
ص:  >  >>