للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كاد ينقضي القرن الثامن الميلادي حتى كان هرون الرشيد يسير شوطاً بعيداً في مضمار الرقي ليسلم إلى المأمون سنة ٨١٣ المدينة التي أصبحت عاصمة العلم الكبرى في ذلك الزمان.

ويذكر التاريخ أن هرون الرشيد كان أرسل إلى شارلمان ساعة تدل على الزمان بحركة من الشريط المربوط فأفزعت حركتها هذا الملك حتى أمر بكسرها.

أنعيد إلى الذكر ما أحيا من العلوم الفلسفية والعملية العباسيون في آسيا والفاطميون في مصر والأمويون في أسبانيا؟

أبعد هذا يصح لقائل أن يقول أن رسالة الشرق روح وشعور فقط وأن رسالة الغرب عقل ومنطق؟

إن مناظري قد ضيق عدسة منظاره وحدق على مجال من الزمان لا يزيد على قرن ونصف قرن متطلعاً إلى الرقي العلمي في طوره الأخير، فخيل له أن الغرب قد أوجدوا وأبدع وأكمل بعقليته الآرية، ثم التفت إلى الشرق العربي وهو خارج محطماً من عبودية نيف وأربعة قرون، فحسب أن السامية العربية هي ما لمحه من عدسة منظاره.

ولقد شاء المناظر الكريم أن يقدم برهاناً على أن الحياة تقوم في العالم كله على أساس غربي ومنطق غربي فقال: أن هناك تجربة نجحت إذ كانت الدولة العثمانية تمتد حتى الدانوب وتعيش على غرار شرقي فكانت منبعثاً للفساد في العالم، فلما استقطعت عنها المجر ورومانيا والبلغار واليوغسلاف فأخذوا بمدنية الغرب تقدموا. . .

ونحن نجيب على هذا موافقين المناظر على قوله فأن الدولة العثمانية التي (عاشت على غرار شرقي) إنما كانت آرية في روحها وما تسنى لها طوال حكمها الذي سحب أذياله قروناً أن تدغم فيها العنصر العربي السامي أو تندغم فيه فارتفعت عليه ولم تتمكن من الارتفاع به بالرغم من اعتناقها دينه المبين. . .

وليت الدولة العثمانية بعد أن بنت سلطانها على السطوة عرفت أن تحتفظ به بالعمل على ترقية الشعوب المستظلة بعلمها. ليتها لم تكتف بالمظاهر معرضة عن الصفات العليا التي أنار الخلفاء الأقدمون بها وجه الأرض وأقاموا عليها أروع حضارة عرفها التاريخ؛ إذن لما كانت الشعوب التي ذكرها المناظر لتتنفس الصعداء بزوال كابوس الدولة العثمانية عنها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>