الغرب على صقلها وتهذيبها وتهيئتها لأن تكون خير سند للعقل السليم والخلق القويم والذوق الجميل، وخير معين يروي ظمأ الحياة ويسمو بها فوق الأدران والشهوات، ويجعل نصيبها من الإنسانية الرفيعة موفور القدر عظيم الدرجات!. فهيا إذاً نتحسس أثر (العاطفة) في خريجينا لنرى إلى أي حد قد نجحت مدارسنا في تكوين هذه الناحية الخطيرة من نواحي التربية والتعليم
(أ) الدين
والدين كما تعلم من أقوى مظاهر العاطفة، ومن أبعدها أثراً في خلق الجماعة والفرد، ومن أعظمها قدراً في تقدم الأمم وتأخرها. ولذلك قد عنيت الحكومات بنشره وتلقينه ودراسته واهتمت بجعله جزءاً أساسيا في برامج التعليم الديني والمدني كيما يخرج النشء متمسكاً بدينه عارفاً لربه عاملاً بفضائل الكتب الدينية وأوامرها. ولكنك حين تبحث عن هذه الناحية في مدارسنا وخريجينا ترى عجباً. فالدين في المدارس المدنية ضئيل القدر سطحي النظرة، لا شأن له في نجاح التلميذ أو رسوبه، والفروض الدينية من صوم وصلاة وإحسان مهملة إلى حد بعيد مع خطورة أثرها في حياة المتخرج الحاضرة والمستقبلة،؛ ولذلك لا تعجب إذا رأيت الكثيرين من أولئك المثقفين لا يعرفون صوماً ولا صلاة ولا زكاة ولا إحساناً! ولا يدركون من دينهم إلا ألفاظاً وقشوراً، ولا يحملون له من العاطفة إلا ما لا ينفع في كثير ولا قليل. ولا تعجب كذلك إذا وجدت بين المصلين من يصلي دون أن تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، ودون أن تصده عن الكذب والرياء والتملق والادعاء مما تزدحم به حياة الدواوين وغير الدواوين على السواء!. ثم لا تجزع بعد هذا إذا تلمست الصبر والثقة بالله والاتكال والاحتمال في خريجينا دون أن تجد منها إلا أشباحاً متضائلة وصوراً متزايلة. وإذا تساءلت عن الزواج فسمعت من يقول لك ما ضرورته وما جدواه والأزمة شديدة والنساء كثيرات!! نعم لا تجزع يا عزيزي ولا تعجب فتلك جميعاً صدى لهذه التربية المدنية التي تغفل الدين وتهتم بالحشرات. . .!
أما الدين في المعاهد الدينية فأحسن حالاً وأقوم سبيلاً. ولكنك إذا شئت أن تتلمس فيه نقصاً فستجد وا أسفاه شيئاً كثيراً؛ ذلك أن خريج هذه المعاهد ما يزال مشوباً بضيق الأفق في تفكيره وتعصبه ونظرته للحياة الحديثة إلى حد هو الجمود أو ما يشبه الجمود! وما بالك