فهكذا أبى الأستاذ أن يأوي إلى مأوى يقيه، وتجرد يختال علينا، ويقتال إلى نفسه جريرة شر. وما ظني وظنك برجل يصف الرافعي بألفاظ ملفقة، وهي على ذلك بينة الدلالة على قبح الغرض، سافرة عن شنعة الإساءة، قليلة التذمم في حق الأحياء بله الأموات ممن لم تجف عن قبورهم بعد دموع أزواجهم وأطفالهم وذراريهم ومن يمتون إليهم بالحب والمودة والإخاء؟
وما ظني وظنك بإنسان قد حمل القلم ليستملي، فيتنزل عليه القول من بغضاء مربدة باغية لا تتقي سوء المقال ولا مأثور الكلام؟
وما ظني وظنك بفهم يتعالى على سلاليم من القوارص والقواذع، لا تجد لها في الذي تعرف سبباً قديماً أو علة محدثة تسوغ الأذى أو تحمل عليه؟
ما ظني وظنك بهذا الرجل الذي نترفق به ونستر (نفسه ودافعها في الحياة) بالإشارة اللطيفة، فيأبى إلا أن يترجم القول إلى غير معناه. . . إذ يسمي ما كتبت له (شتائم). . . شتائم. .! أنف في السماء. . . أأنا يدور في نفسي أن أكتب للأستاذ الفاضل ما يسمى (شتائم)؟ لأنا يا سيدي الأستاذ قطب أحسن ظناً بك من هذا. وقد قلت ما قلت من أن الناس كانوا يتعايشون بالدين والتقوى ثم رفع ذلك - كما قال الشعبي - فتعايشوا بالتذمم والحياء، ثم رفع ذلك، ثم تعايشوا بالرغبة والرهبة، ثم رفع ذلك، وجاء زمان يتعايش الناس فيه (بثلب الموتى). . . وهو زماننا هذا. ولو قد كنت (أخصائياً!) في اللغة التي يعبر بها لما زعمت أني (رحت أتهمك بمجانية الدين والتقوى، والحياء والتذمم) فأنا لم أقصد ذلك، فهو أمر قد فرغ من الحكم فيه صاحبنا الشعبي. وما كان قصدي إلا أن الذي كتبت أنت عن الرافعي الذي مات وسكت، والعقاد الذي بقي يتكلم، بل عنهما معاً في قران واحد، هو ثلب للموتى وزلفى للأحياء. وحق لي أن أقول ذلك فقد جمعت بين الرجلين، فوضعت الميت موضعاً لا يتنزل إليه حي في الضعة، ورفعت الحي مكاناً لا يسمو إليه أحد في الرفعة، وضربت الكلام من هنا ومن هنا حتى استبان الغرض. . .
أيريد (الأخصائي!) الفاضل أن نبين له موضع الإشارة في كلامنا هذا. . .؟ إذن فليسمع
حين قرأت الكلمة الأولى من حديثه في الرسالة، لم أشك ساعة أنه يختدع القارئ عن نفسه