هذا سر الخلاف في رأيي. والرافعي رضى الله عنه، قد بلغ هذه الصناعة، وفي توليد المعاني، وفي نخل الألفاظ وتصفية الديباجة ما لم يبلغه كاتب عربي، فلا عجب إذا أبغضه خصوم البيان العربي
والعجب من الأستاذ سيد قطب! يأبى أن يناقش الأستاذ العريان لأنه لم يأته على أغراضه بدليل. . . ثم ينقد أبياتاً للرافعي يقطر ماء السلاسة من أعطافها، وتنطق كل كلمة فيها بألم صاحبها في حبه، وعذابه في غرامه لا، حين سمع أن للحب ليناً ووصالاً، ولكنه لم ير إلا قساوته وجفاءه، فهو يسأل المحبين كيف يكون هذا اللين، وينظر حوله فإذا قد (قضى كل ذي دين فوفى غريمه) فيأسى ويألم لنفسه أن بقيت ديونه وحدها لم توف. ثم يمد يده ينظر هل من مسعد أو من معين، ولكنه لا يريد مساعدة ولا عوناً، هو هانئ بالحب لأن الحب أهنئه حزينه، قال:
من للمحب؟ ومن يعينه؟ ... والحب أهنئه حزينه
أنا ما عرفت سوى قسا ... وته فقولوا كيف لينه
أن يقض دين ذوي الهوى ... فأنا الذي بقيت ديونه
فلا يجد نقداً لهذه الأبيات الثلاثة (وثالثها مأخوذ من بيت كثير المشهور، لم يتنبه لذلك سيد قطب) إلا أنها تقليد لشعراء الدول المتتابعة والمماليك في مصر. . .
هذا هو النقد الفني عند الأستاذ سيد قطب!
ويقول الرافعي رضى الله عنه:
قلبي هو الذهب الكريم ... فلا يفارقه رنينه
قلبي هو الألماس يع ... رف من أشعته ثمينه
فلا يفهم سيد قطب من هذا التشبيه البليغ إلا (أنه يذكر قلبه في سوق المجوهرات من الذهب والألماس معتقداً أن تلك المعادن أثمن من القلوب لأنها تقوم بالمال الكثير من السوق) - مع أن الأستاذ قطب يدعي في رأس مقاله بأنه أفهم لأدب الرافعي من الأستاذ العريان، فهو إذن يتعمد أن يتظاهر بأنه لم يفهم هذين البيتين لغرض في نفسه. . . ولا حيلة لنا معه في ذلك!
والأنكى من ذلك كله. . . أن ينقص هذا البيت الذي يعدل والله قصيدة، بل ديواناً من