الكاتب في بعض آرائه تطرفاً عنيفاً وهاجم بعض النواحي التي لا يسهل مناقشتها في مصر وإن كانت هذه النواحي أكثر الأشياء افتقاراً إلى البحث والتمحيص. ولا شك في أن كل مثقف يؤمن بما قاله المؤلف عن (الأساطير) وأن اعتناق الجماهير إياها مصدر الكثير من الضرر، ولكنه لن يجد من يؤمن بالعلم وحده. العلم الذي يتخذ المقاييس والرياضيات أساساً له - ومن العسف أن نهاجم عقائد الشخص العادي ونحاول تشكيكه فيها مهما كان فيها من خلط وزيف قبل أن نمده بما يشغل مكان هذه العقائد - والعلم لن يقوم مقام العقيدة، وكل حضارة لا تستند إلى إيمان قوي لا يمكنها أن تثبت لا لإرهاصات الزمن - ولا شك في أن العلم ركن قوي من أركان الحضارة ولكنه لا يمد الإنسان بالإيمان الذي يريح القلب ويطمئن الضمير، ولكن الإيمان ينبع من أعماق النفس ولا حيلة للمنطق معه! وستمر دهور ودهور قبل أن يترجم الإنسان العادي النور وتغريد الطيور وجمال الزهور إلى معان إلهيه. ومن هنا صعوبة مهاجمة (الأساطير) في الوقت الحاضر - وعندي أن كل إصلاح لا يبتدئ بالفرد مصيره الفشل المحتوم - فيجب على المصلحين أن ينموا شعور الفرد بإنسانيته وأن يستخدموا العلم في تحريره من ربقة المادة، وأن يفتحوا أمامه سبيل تهذيب الضمير بواسطة الآداب والفنون حتى يتفجر إيمانه بالقوة الخالقة من أعماق ذاته المحرَّرة. وعندئذ يمكنه أن يُنزل الأساطير مكانتها الحقيقية؛ ومتى وصل إلى هذا المستوى وشعر بكرامته الإنسانية فسيشعر بواجبه شعوره بحقه وسيفهم معنى الحياة الإنسانية الحقة، ويخصص نفسه لخدمة مثلها العليا، ولن يؤمن بالدكتاتورية أو يسمح بها. أما الإيمان بالعلم وحده فمظهر من مظاهر الصلف والاغترار الذهني
وأعتقد أن العالم الذي حوى صدره علم الأوائل والأواخر، والذي يقول (إن الحياة على هذه الأرض محض صدفة) أو يبلغ به التبجح إلى أن يقول: (إن الله عالم رياضي) إنسان بائس مسكين، والشخص العادي الضعيف الذي يرى أن مظاهر القدرة الالهيه مبثوثة في كل شيء اسعد منه بمراحل. والظاهر أن المؤلف تأثر بكتابات الذهنيين ونظريات برتراند رسل عن وحدة الروح والجسم وهلاكهما معاً. وحسبي أن أذكر مثلا من هذه النظريات يرينا خلل وضلال القياس الذهني:
يقول رسل إن حالة (الإشراق والصفاء) والمعاني اللطيفة التي تترقرق في قلب الإنسان