أثناءها تشبه حالة السكر وما يخالج النفس أثناءها من نزوات، لأن السكر حالة شاذة تقع بواسطة مؤثر خارجي هو الخمر؛ وكذا حالة الإشراق أيضاً لأنها تقع بواسطة مؤثر خارجي هو الصوم! وهذا هو ما يؤدي إليه الإيمان بالعلم وحده
ولا شك أن هذا الكتاب خطوة حسنة في سبيل توطيد العلاقات الثقافية بين مصر وبريطانيا؛ غير أن القارئ الغربي لن يجد في هذا الكتاب جديداً ولا يمكنه أن يتبين أن المؤلف رجل شرقي، لأن (الشخصية) بمعناها الأدبي معدومة الأثر في الكتاب. وقد عالج المؤلف موضوعات معروفة مطروقة في الغرب ولا فضل له فيها إلا الجمع والترتيب والاختيار؛ ثم عرض لبعض المظاهر الاجتماعية في مصر. ولعله ينحو في كتاباته المستقبلة نحواً جديداً بحيث تبدو فيها خصائص الروح الشرقية الحرة، وهذا ميدان واسع تعود الكتابة فيه بالفائدة على الشرق والغرب، لأن مظاهر العلم والفن والأدب في أوربا الحديثة متأثرة بما ترزح تحته هذه القارة من أنواع المحن والبلاء، ولا يمكن للشخص الغربي المنشَّأ في حلقة هذه الظروف أن ينظر إليها نظرة أصيلة فاحصة ولكن الرجل الشرقي الذي لم يتأثر بهذه الظروف يمكنه أن ينظر إلى هذه الأحوال نظرة أقرب إلى الحق والصدق، ويجب على الكاتب الشرقي أن يهْدي إلى الغرب مما عندنا لا مما يستعيره منه
بقي أن نقول إن الشرق مفتقر إلى مثل هذا الكتاب أكثر من افتقار الغرب إليه، ويقول المؤلف في مقدمته أنه يعني بكتابه القارئ العادي (الغربي طبعاً) ثم يعود فيقول إنه لا يعني بكتبه عموماً إلا الخاصة، وإنه لا يتهم بسواد القراء في الشرق؛ ولما كانت خاصتهم تعرف الإنكليزية فلا ضير عليه في الكتابة بها؛ ولكن المؤلف يدعو إلى التعاون العالمي، وهذا لن يكون إلا إذا ارتفع القارئ الشرقي العادي إلى مستوى القارئ الغربي العادي ولعلنا نرى الكتاب مترجماً إلى العربية بعد تعديل يلائم الشرق