أما الفلسفة في إنجلترا، وهي كذلك في فرنسا، فقد كانت اللسان الناطق بالمعارضة لكل المعتقدات الرسمية للدولة، ومنابذة صور الفلسفة القديمة التي اتخذت معاقلها الحصينة في حدود المؤسسات الكنسية. ولفظة فيلسوف في إنجلترا وفرنسا، قد اقترنت دائماً بمعنى حرية الفكر والتحرر من قيود المأثور، بل فهم منها معنى الإلحاد ومعاندة كل ما تقرر في الأذهان من العقائد والآراء. وعلى الرغم من مختلف الصور التي لابست الفلسفة الإنجليزية منذ عصر هوبز إلى بنتام، ومن لوك إلى هيوم، فأن الغرض الذي رمت إليه لم يتغير، ولم يخرج يوماً على حرية الفكر وهي مصدر الابتداع والابتكار
ونحن إذ نرى أن الفلسفة الألمانية قد التزمت مصطلحات بعينها واتخذت لنفسها لهجة بذاتها. إذا بنا نجد أن الفلسفة الإنجليزية قد كتبت باللغة الدارجة في الأدب. وعلى الضد من هذا تجد الأولى، فإنك لا شك واقع في فلسفة (كنت) وفي كتابات الكثيرين ممن عقبوا عليه، على عبارات هي عند أهل لغتهم أنفسهم كتاب مغلق بسبعة أقفال
لقد اعتقد بعض النقاد، ولعلهم اعتقدوا بحق، أن هؤلاء الفلاسفة قد اكتفوا في كتابة الفلسفة بأن يفهم بعضهم بعضاً، غير آبهين بأن يفهمهم غيرهم. لقد هام فلاسفة الألمان بالغموض حتى لقد نعتهم أهل بلادهم أنفسهم بأن فلسفتهم تعميه مقصود
في سبيل العلم
في سبيل العلم ما احتمل غليليو، فقد قال إن الأرض التي تدور حول الشمس، على الضد من العقيدة اللاهوتية التي اعتنقتها الكنيسة الرومانية. لما هم رؤساء الكنيسة باتهام غليليو
كان مؤلفه قد ذاع في أنحاء أوربا، فزاد ذلك غضبهم عليه وتبرمهم به. وكان على رأس الكنيسة (إريان الثامن). ولم يكن بابا لا غير، بل كان أميراً من بيت (بربريني) فأخذته العزة بالإثم وأمر بأن يمنح غليليو وكتابه هبة منه لمحكمة التفتيش
وعبثاً حاول (كاستللي) البنديكتي أن يقنع رجال الكنيسة بأن غليليو يحترم الكنيسة ولا يهزأ بمبادئها، بل سدى ضاعت كل جهوده في سبيل أن يثبت لرجال الدين إذ ذاك (انه ما من شيء يمكن عمله، من شأنه أن يمنع الأرض من الدوران).
ولكنه طرد ونفي مغضوباً عليه مقصياً به عن الكنيسة، وقسر غليليو على أن يقف أمام تلك المحكمة الرهيبة واحداً فرداً بلا مدافع أو نصير. وهنالك عذب مراراً حتى اضطر إلى أن