قرائه أو يشعوذ عليهم ليملأ فراغاً من صحيفته يراد أن يمتلئ. على أنه أحياناً كانت تدعوه دواع إلى كتابة لم يتهيأ لموضوعها أو يفرغ لها باله، فيمليها على عجل بلا إعداد ولا توليد، ولكنك مع ذلك تجد عليها طابع الرافعي وشخصيته، فتعرف كاتبها وإن لم يذيلها باسمه. والعجيب أن هذا النوع من المقالات التي كان الرافعي يكتبها بلا إعداد ولا احتفال كان أحب إلى كثير من القراء، وكان الرافعي يرتفع به عن منزلته درجات عند طائفة من القراء. . .
والشاي أو القهوة هما كل المنبهات العصبية التي يطلبها الرافعي عندما يكتب، وفنجانة أو اثنتان هما حسبه في هذا المجلس الطويل. وعلى أنه في أخريات أيامه قد ولع بتدخين الكركرة (الشيشة) فأنه لم يكن يدخن إلا دخينة (سيجارة) أو دخينتين في مجلس الكتابة؛ فكان يشتري العلبة فتظل في درج مكتبه شهراً إذا لم يزره في مكتبه شهراً إذا لم يزره في مكتبه زائر. . .
. . . فإذا فرغ الرافعي من إملاء مقاله، تناوله مني فطواه قبل أن يقرأه، ثم يودعه درج مكتبه إلى الصباح ويخرج إلى الشرفة يشم نسيم المساء. . . ثم يأوي إلى فراشه. . .
وأول عمله في الصباح بعد صلاة الفجر أن يعود إلى المقال الذي أملاه علي في الليل فيقرأه ويصححه. . . ثم يسعى به ساعيه إلى حيث ينشر. . . ويفرغ يوماً لنفسه قبل أن يهيئ فكرة لموضوع جديد. . .
مقالة. . . هي عمل الفكر، وكد الذهن، وجهد الأعصاب وحديث النفس في أسبوع كامل؛ ولكنها مقالة. . . ومع ذلك فقد أنشأ كتاب (رسائل الأحزان) في بضعة وعشرين يوماً، وكتب (حديث القمر) في أربعين، وكتب (السحاب الأحمر) في شهرين. . . وقال قائل من خصومه:(إنه يقاسي في هذه (الكتابة) ما تقاسي الأم من آلام الوضع. . .!) وقال الرافعي يجيبه:(أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها. . . وعلى نفقات القابلة والطبيبة متى ولدت بسلامة الله!)