أهلوها وهناً وضعة. وناهيك ساكنو الربوع حتى تشافه بيتنا الصغير فإذا هو معها كما قيل للعبادي: أي حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا. تشابهت هذه البيوت في الرثاثة والزراية حتى لتحسبها من التشابه بيتاً واحداً مردد الصورة، أو تحسب كل بيت منها إيطاء مع جاره وصاحبه، وليس في الحارة كلها بيت للقصيد.
وعلى هذا الذي نصف تمضي فتتصل الطليعة الأولى من حارتنا حتى تفضي إلى منزل قائم تبلغك هذه الكلمة حديثاً عنه: منزل يتصدر كأنما تختتم به العطفة أو تسد، ولكنها تستمر فتطرد بعده؛ بيد أنها تتشعب إلى شعبتين، تأخذ إحداهما ذات اليمين والثانية ذات الشمال كما تبسط ذراعيك للعناق!
تبارك الله ما أشرف وأنبل! ما شهدنا كهذه العطفة عطفة زهراء سامية ولا قطان عطفة جلهم بل كلهم من الطبقة الدنيا المتواضعة الوادعة، (إسكاف) إلى جانب (كناس) و (نجار) لدى (أديب)، وما إلى هؤلاء. أجل، لقد تنجب الحارات ولا كمن أنجبت حارتنا من (عزام) الإسكاف و (موسى) الزبال و (كريمة) النجار و (السيد) الشاعر
وما شر الثلاثة أمَّ عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا
تلك حلية السكان في عطفتنا. ألست تشهدهم أيها القارئ ملء النفس، فكيف ظنك بزميلك الشاعر الفحل وقد خرج على هذا الملأ في وجاهته وزينته؟ أليس يزدهيك منه أنه أظهر أهل الحي نبلاً وأبينهم وجاهة؟
لم أر شيئاً حسناً ... منذ دخلت اليمنا
فيا شقاء بلدة ... أجمل من فيها أنا
ليس هذا وحده مما يشق على النفس والبصر فقد انتحى قاصية من العطفة حمام عتيق ومستوقد حمام سالت عليهما (الصحة) عجلات ومركبات تحمل القمامة ذهابا وجيئة، حتى إذا التقت مركب في مسالكها بمركب غصت بهما حلاقم العطفة وسد متنفس الطريق فقل في حبسة بل غصة صادعة كغصة الماء لا يسيغها الماء!
لو بغير الماء حلقي شرِق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
إذا راح سدنة حمامنا أو اغتدوا عليه يحملون قدور (الفول المدمس) المنتفخة السوداء فقل في أشباه الحلاليف تحمل الحلاليف!!