أنا أبن الذي لا ننْزل الدهرَ قدرُه ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود
على أننا وإن تناولنا قدور (الفول المدمس) بهذه الدعابة فما نتغمد لها فضيلة ولا نغض من قدر، تلك أسوة البائسين بالسراة ومائدة المفلوكين معاً والمالكين، على حالة من المدنية شحيحة مناعة ليس لنا فيها طعام ابن جدعان ولا جفنة آل المحلق
نفى الذل عن آل المحلق جفنة ... كجابيةِ السَّيْح العراقي تَفهَقُ
لقد رمتنا هذه الحضارة والمدنية بمأدبات ومطاعم باخلة جل ما تتسمح به قدور وصحاف قدرتها الصناعة تقديراً فهي دقيقة زهراء كالدراهم والدنانير، غالية كأنما تطبخ فيها الدراهم والدنانير:
رأيت قدور الناس سوداً من الصّلَي ... وقدر الرقاشيين زهراء كالبدر
إذا ما تنادوا للرحيل سعى بها ... أمامهم الحوليُّ من ولد الذر
يعصف بنا مستوقد الحمام عصفته ويهب إعصاره، فحسبك أن تتعرف أن الله إنما أجرى الهواء طلقاً ليشتمه الناس غيرنا نسيما عليلا وحياة ولا نتجرعه نحن إلا حرقة أو غلة، فهو زفرة حرى أو تنهد. طالما أظلتنا غاشية كثيفة هوجاء من دخان هذا المستوقد بل جبل النار يظلم لها يومنا الطلق الأضحيان حتى ليخيل إلينا أن يومنا قد رغب عن لونه الأبيض الوضاح، أو كأنما صيغت لنا خاصة شمس سوداء تقد من أديم الليل!!
أما وقع العجلات من مركبات (الصحة) زائرات المستوقد لا في الفينات والفترات بل في اليوم الأطول والليل الأليل فإنما يكون على أشده إذا تحين الأديب لخواطره الشعرية ساعة من فترة الأحياء وهدأة الحياة!!
يميناً لقد عشت هذا الزمن الحفيل لا أتفهم كلمة المعري في شعر (ابن هانئ الأندلسي) حيث يقول: (ما أشبه شعر ابن هانئ إلا برحى تطحن القرون) حتى إذا رصفت عطفتنا بالحجر وتخطرت عليها مركبات الصحة، أيقنت إنما نحن في مطحن للقرون
هذا بعد أن رصفت العطفة بالحجر، أما قبل ذلك فقد كانت تستهل علينا السماء في الشتوة شآبيب كأنما تخرقت بها السماء حتى تتوحل الأرض فأكثر مشية السكان إذ ذاك مشية المقيد في الوحل