عليَّ وإلا ما بكاءُ الغمائم ... وفىَّ وإلا فيم نوحَ الحمائم؟
حمام السكرية وناهيك: حمام صحب الزمن حتى تحدث به التاريخ وظل ماثلا حتى زرناه، أنقسم بنصفين فهو حمامان، قسم للجنس النشيط له باب من السكرية، وقسم للجنس اللطيف الدخلة إليه من عطفتنا؛ بيد أن شطره الجميل قد عطل عندنا من العمل فعطل الحي من الحسن
كانت تبتكر إلى حمام السكرية هذا أسراب من الغيد الفواتن بل زهرات الصباحة من كل رشيقة القد نفاثة العينين بالسحر، فيلتقي لأجلهن عنده فصائل من عبدة الحسن رواد الغزل قوامها شباب من الطبقة الدنيا، فما شاء الحسن، لا، بل ما شاء الفحش من كلمة غزل حارة أو قالة عوراء تنظر إلي نظرة خائنة أو تجميشة باليد، ثم ما شاء الشغب والفتنة من تهاتر وإلحاد في الحسن. فكم صريع هناك في معترك الغزل والجدل بأعين الفتيات الساحرات وأيدي (الفتوات)
فتية تلك للشغب والشر خليقة بهذه الكلمة الفكهة من زميلنا الأستاذ علي شوقي قال:
(وملطعين) على الطريق تراهم ... يتحرشون برائح أو غادي
فئة تقول لها إذا حييتها: ... يا معشر السفهاء والأوغاد
إن للغزل في مصر كلها مغاني ومواقف غراء مشهورة، منها حمام السكرية. فأن عد العرب من مغاني صبابتهم ومآلف غزلهم بانة الوعساء والرقمتين، عددنا المحملين وبين النهدين، أو تذاكروا (نجدا) (وسفح زرود)، فخرنا (بالمحمدي) و (أبي السعود)،
أفدى ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا برزن من الحمام مائلة ... أوراكهن صقيلات العراقيب
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب
لم يكن للعطفة فيما سلف عهد بالنور فكانت الحوذية والمكارون يربطون حميرهم ومركباتهم في جنبتيها، فإذا أقبل الداخل إلى أهله في الظلمة لم يرعه إلا صدمة من مركبة مسندة أو رمحة من حمار مرتبط
أنا أعمي وصاحب القوم أعمى ... فدعونا في ظلمة نتصادم
فإذا هو دامي الجبين، دامي الفؤاد من شجى ولوعة