للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم

زَيّن لنا هذا بل زين لنا حسن الجِدَّ ولا نكذب الله، أن نكتب إلى ولاة الأمر في طلب النور، ونمى إلينا حديث ذلك الكاتب الكبير الذي طلب إليه أن يكتب رسالة إلي وليّ أمر في طلب النور للمساجد فارتج عليه ولم يدر كيف يكتب، فبينما هو نائم جاءه إبليس فقال له أكتب: إن في النور أنساً للسابلة ونفياً للريب والوحشة عن بيوت الله. فبدا لنا أن نساجل هذا الكاتب ونساير أسلوبه هذا في استجداء النور لعطفتنا وبيوتنا لا لبيت الله، وهممنا بأن أكتب هذه الكلمة على طرازه الإبليسي؛ بيد أنني قَنَيْت الحياء فلم أكتب وليتني كتبت:

أيتها الوزارة الأريحية:

نحن أهل (عطفة الألايلي) في ظلمة مطبقة، المشتكي إلى الله منها ثم إليك، فهل أنت متسمحة فمحسنة إلينا بخطرة من النور ولمحة من الضوء فان في النور تنويهاً بمواقف الغزل عندنا والصبابة، وأنساً لمآلف الصبوة، وهداية لمواقع القبلات والنظرات فلا يجمل أن يسلم الجمال ومناغاته إلى الظلمة وحيرة الموقف وإلى مثل كلمة الشاعر:

وبان بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواقع اللثم في داج من الظلم

على أن في النور عدا هاتيك الخلال النذير، من رمح الحمير، والنجاة من المركبات.

فلما استجابت الوزارة لهذه الضراعة والتخشع بعد أن كتبنا إليها - ولكن في غير هذه اللغة - استجابت لنا بمصباحين ضئيلين فاتري اللمح باهتي اللون كان العهد بالنور قبلهما أن تتحلل الظلمة تحته، ولكنه نور افتر من (بارق ذاك الثغر) يتحلل تحت الظلمة

أما صرعى الكلاب والهررة الأليفة المفدَّاة وما إليها من الفيران وبنات عرس فما تطوي لها جثة من جنبات العطفة وأقطارها ولا تكتم رائحة وإنما تحشر في بطون الهوام والطير وتصعد معها أرواح الساكنين من صرعى الجراثيم والعلل

ستقبرني الطير كيلا أكون ... سواءً وأمواتهم في الرجم

ليست صناديق القمامة التي ترصدها الوزارة في الطرقات والميادين إلا صورة كاذبة مختالة للنظافة كأنما تدفع بها عن العاصمة معرة النقص من القادرين أو تكف أو بها لذعة العيون والَحدَق على فرط القذر والدمامة، كما تعلق تميمة القروية البلهاء الغريرة على محيّا وليدتها الدميمة خيفة العين

<<  <  ج:
ص:  >  >>