ليس لدينا شيء معجب بحمد الله بل كل ما تباشره العين مما يشق على النفس والبصر، سوي مدرسة أولية وسبيل أثري تحت المدرسة يتصدران العطفة. أما المدرسة فتحمل إلينا من ذكر العلم والتربية ما يندى على الكبد الحرَّى برداً وروحا؛ وأما السبيل فان يكن عطل آنفاً حتى ما يبض بقطرة ماء في طاعة المدنية والوقاية فهو يذكرنا بإحسان أسلافنا الأولين وبرَّهم كالمحيا الفاتن شيَّع عهد الصبا والفتنة وغيض منه ماء الحسن ربما أذكرك بتقاسيمه أيام كان يشرق بماء الحسن والفتنة
تبتكر الشمس فيبتكر معها قطعان من الباعة والصناع من صائح بالبامية والقلقاس، إلى مبيض النحاس، فينعقون بسلعهم المتعارفة تناهق الحمر فيمنعون القائلة الشهية يومهم الأطول، حتى إذا تمشت الشمس إلى المغيب، خلفتهم فصائل أخرى من الطراز الساخر تدق الدفوف، وتضرب بالكفوف، ثم تتغنى بكل ما تتغنى به الإذاعة العامة، فهم إذاعة متنقلة ليس يدري المستمع إليهم: أباعة هم يتغنون، أم مغنون يبيعون؟!
هذا بعض ما نلقي في عطفتنا وفي دارنا، إلى أطفال من نشء الغوغاء والسوقيين، لهم عدة التراب كثرة، في خسة التراب، مباءة أمراض، ومسيل أقذار، وخريجو شغب وقحة، ونبت تشرد وجهل، كأنما عوض أهلوهم بكثرتهم ما افتقدوا من عزة العلم والجلال
يا فراخ المزابل ... ونتاج الأراذل
اسمعوا لا سمعتمو ... غير زور وباطل
نشء من الغوغاء لهم على ضؤولة الجراثيم فتك الجراثيم، تفتك بالعلات ويفتكون بالعلات والجهالات
أليست هذه الطفولة العابثة اللاهية هي الطفولة العاطلة المتشردة حذرك النعل بالنعل؟ وإذا كان يجمل بالدولة أن تحمل نشء الأمة على العلم والثقافة بسيف الإكراه القانوني فليس بمستنكر عليها أن تحمل هذا النشء على حذق الصناعات والفنون بالإكراه القانوني، ولئن كان العلم سبيل العيش والحياة، فإن الصناعات والعمل عيش وحياة