للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكل من المدرستين تلاميذ وأنصار، فمن الغلو إذن أن ينكر أنصار إحدى المدرستين طريقة الأخرى، وأن يقسوا في نقدها والزراية عليها

ومن هؤلاء من يقول عنا: (ويكفيه مما مضى في كلامنا وكلامه أن يعلم أنه نزه العقاد ورفعه أرفع درجة، وأننا لم ننزه الرافعي ولم نقل فيه بعض ما يقول هو في الشاعر الكبير صاحبه) يقول هذا وهو يحسب أنه نصب ميزان العدالة الحساس في تورع وتنطس وإحكام

المسألة أيها الناس، ليست هي الاعتقاد في أمر من الأمور، ولكنها قيمة هذا الاعتقاد وحظه من البصيرة، وحقه من الاحترام والبقاء. والمسألة ليست مسألة طريقة خاصة في الأدب أو الرأي - أيا كانت قيمتها - ولكنها حقيقة هذه الطريقة وصلاحيتها للحياة والدوام

فلتكن للرافعيين مدرسة في الأدب، ولتكن عقيدتهم فيها ما تكون، فيبقى بعد ذلك أنني حين أنكرتها عليهم، لم أكتف بإشارات الصم البكم في القبول أو الإنكار، ولكني نقدت ما فيها نقص الحيوية، واستغلاق الطبع، وأتيت على هذا بالأمثلة التي تثبت موت هذه الطريقة، وعجزها عن مسايرة الحياة. وهذا هو مناط الحكم، وهذا هو (عدل الأناسي) الذي يحسب حساباً للكيف والنوع، لا عدل الموازين الذي لا يحفل بغير الكم والوزن

أما قوله أحدهم إنني رفعت صاحبي، ولم يقل هو في صاحبه بعض ما قلت، فلكأننا في معرض مفاخرة على طريقة القدماء، لا يهم فيها الواقع والصدق، إنما يهم فيها الفخر و (النخع)؛ وكأنما الحكاية كلام يقال، ثم لا ينظر ما وراءه من دليل

أنا يا سيدي أقول ما أقول، وأشفعه بالمثال والدليل، فان كان لك قول فلتناقش هذه الأمثلة والأدلة، أو لتأت بغيرها مما يدل على نقيضها. فأما التظاهر بالتورع والتنطس! فقد يدل على غير العدالة النفسية التي لا تحفل الظواهر والشكليات، متى قام لها من حقيقة الموضوع ما يدعمها ويقنع بها

ولعل الذين يعدلون - عدل الموازين - يقنعون بهذا، ويفهمون أن المسألة ليست طريقة وطريقة، ولا رأياً وراياً، وإنما هي قيمة هذا الرأي وتلك الطريقة

ومن الناس من هم عوام في تقديراتهم الاجتماعية، لا تبلغ قداسة الرأي عندهم، ولا دفعة اليقين بأمر من الأمور، أن يتغلبوا بهما على ما تواضع العوام عليه من رسميات وشكليات، والموت عند هؤلاء يكفي لأن تطبق فمك عن كل حق، وأن تضم شفتيك عن كل رأي، ولو

<<  <  ج:
ص:  >  >>