وفي هؤلاء يقول العقاد متعالياً على القيود الاجتماعية العامية:
أرى في جلال الموت إن كان صادقاً ... جلالة حق لا جلالة باطل
فلا تجعلن الموت حجة كاذب ... لمدحة مذموم ورفعة سافل
ومع تعديل في كلمتي (مذموم وسافل) تنطبق الحالة على ما نحن فيه اليوم من حديث عن الرافعي ونقده وأدبه. فما دام الرافعي قد مات، فيجب حينئذ أن يقول أنصاره عنه ما يقولون فلا نتعرض لتزييف مدائحهم فيه؛ ثم لا يكتفون بهذا بل يقولون عن خصومه ما يقولون فلا نتعرض كذلك لشيء مما يقولون! أليس الرافعي قد مات؟ فلئن كان الموت هكذا فليبطلن إذن عمل التاريخ، وعمل النقد، ولتتحطم مقاييس الرأي ومعايير الأدب، وليكونن الموت (امتيازاً) من الامتيازات التي يلوذ بها كل مخطئ وكل متخلف!
والحمد لله أن بنا من الشجاعة ما نواجه به عامية العوام في هذه الاعتقادات، ونصدر به الرأي خالصاً من كل تنطس مصطنع، وتكلف ذميم
ومن الناس من لا رأي له فيما يحس ويرى، أو لا عقيدة له في رأي أو اتجاه، أو لا حماسة له في عقيدة، فهو من هذا يحسب الناس سواه كذلك، ولا يستطيع أن يلمح في عمل من أعمالهم دفعة اليقين، وحماسة الاعتقاد، ولا يفهم إلا أنخلفهم آخرين يدفعونهم ويزجونهم. ذلك أنه ناضب العقيدة، فاتر الحماسة، فقير العاطفة، لا يفهم ما لم يكابد، ولا يتخيل ما لم يحس
وليس عندي لهؤلاء ما أقوله، لأنهم منطقون مع نفوسهم، ومع طبيعة مدرستهم.
ولكني أقول لمن يستطيعون أن يفهموا شيئاً عن دوافع النفوس الإنسانية: إنه لم يكن من الحتم أن انتظر تأذى العقاد مما كتب الأستاذ سعيد لأشعر أنا بالتأذي؛ وأن العقاد ليس صاحب القضية وحده فيما يكتب عن أدبه وردوده، ونقد سواه له، وإنما صاحب القضية هو كل ذي رأي فيها، وكل صاحب عقيدة في الرافعي أو العقاد، وتلك فسحة في (النفس) لا نطمع أن تدركها المدرسة الرافعية. فبحسبها الفسحة في تنميق العبارات وتبخر الكلمات، وتثني الأساليب!
ثم نأخذ في الحديث عن العقاد تكملة لحديث البارحة، وتدليلاً على ما أوردنا من نظريات