للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مجملة، فيما يصب في نفس العقاد من ثقافات عالمية، وما ينضح به أدبه من هذه الثقافات، وما تخلقه طبيعته خلقاً من اتجاهات، تبدو فيها آثار الثقافة البصيرة، مما يحتم على دراسة - بله ناقده - الإلمام بالمعارف الإنسانية العامة، فوق فسحة في الضمير، وتوفز في الشعور. . يقول العقاد

بك خف الجناح يأيها الطي ... ر وما كنت بالجناح تخف

لطف روح أعار جنبيك ريشا ... فمن الروح من الريش لطف

فتحس هنا لطف الإحساس، ونفوذ البصيرة، ورفرفة الروح الفنية، وهي تتبع القوى الحية الكامنة في روح الطائر، وترى رفرفتها من الداخل، وتحس خفتها ورشاقتها في ماهيتها الأولى، حتى لتعير جانبيه ريشا

وهذه هي ميزة الفنان الحيّ في الشعور بالحياة الباطنة لا بمظاهرها الخارجية وحدها، وفي الالتفات إلى خلجاتها في الضمير، لا في السطوح بمفردها

ولكنك خليق أن تجد بجانب هذه النظرة مصداقها من الروح العلمية، فعلم وظائف الأعضاء يقول: إن الوظيفة تخلق العضو. فوظيفة الطيران هي التي خلقت الريش وقبله الجناح

وقد لا يكون الفنان الصادق في حاجة للعلم بهذه النظرية ليقول هذا القول. ولكن المفسر والناقد في حاجة ماسة إليها، ليدركا جمال الخاطرة كاملا، ويستوثقا من صدق الفطرة واضحاً، ولكي لا يخطر لهما أن ينظر إلى الأشكال الخارجية وحدها فيريا الطائر يطير بالجناح، فهذا إذن سبب الطيران!

ودراسة الأحياء هي (العلم) الذي يلذ لذادة (الفن) فالشاعر العظيم لا بد له من قسط منه، لأنه أصيل في طبعه، إذ كانت (الحياة) أجمل ما يلفت نظره وحسه، ويخالج وجدانه وضميره. وأنت واجد في شعر العقاد لفتات شتى إلى دراسة الأحياء علما وفنا. وديوان (هدية الكروان) أحفل دواوينه بهذه الناحية في دراسة الطيور والتطلع إلى الحياة النابضة في ضمائرها وكيانها، وإلى عوامل التفاؤل والاستبشار في عيشها وتصرفانها، مع مزج ذلك بالنظريات الفلسفية منقولة إلى الصورة الفنية. وفي (وحي الأربعين) لفتات كذلك إلى الغرائز والطباع في الأحياء عامة في فصل (تأملات في الحياة) وقد فصلت رأيي فيها في محاضرتي عنه سنة ١٩٣٤. وكذلك قد حوى (عابر سبيل) كثيراً من هذا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>