يقف أمام (الجيبون) في حديقة الحيوان، فتنثال على نفسه الخواطر، وتلمح فيها نظريات علم النفس الحديث، إلى جانب الفلسفة الصوفية، ومزاجهما الإحساس بالحياة النابضة في ضمير هذا (الجيبون)، والآمال المترائية في خياله، والأشواق الفائزة في أحلامه، وهو يقفز ويرقص: وبجانب هذا كله أثر الدراسة لدوران ونظريته:
أيهذا الجيبون أنعم سلاما ... يا أبا العبقري والبهلوان
كيف يرضى لك البنون مقاما ... مزريا في حديقة الحيوان!
ألعب الآن وانتظر بعد حقبا ... ترق في (سلم الرقى) وتعل
كيف لم تصعد السلالم وثبا ... أيها الصاعد الذي لا يمل
يا عميد الفنون صبراً ومهلا ... وارض حظ الهتاف والتهليل
مرحباً مرحباً وأهلا وسهلا ... والهدايا ما بين لب وفول!
انتظر يا صديقي شيئاً فشيئاً ... تطبخ القوت كله بيديكا
غير أني أخال ما كان نيئاً ... منه أجدى في الحالتين عليكا
انتظر يا صديق مليون عام ... أو ملايين لست والله أدري
إن تدانيت بعدها من مقامي ... فقصارى المطاف أن لست تدري!
واصطبر إن عناك نثر ونظم ... سوف تتلو نثراً وتنظم شعراً
وغدا يطفر الخيال ويسمو ... والذراعان لا تطيقان طفراً
وإذا ما درست أوزان رقص ... بعد لأى فالرقص فيك انطباع
هل تنال الكمال من بعد نقص ... إن أقلتك فكرة لا ذراع
انتظر سوف تفهم الشيء باسم ... بعد رسم وغابر بعد حال
فإذا ما طلبت باطن فهم ... يا صديقي طلبت أي محال
ولا تقف الإشارة إلى نظرية النشوء والارتقاء في هذه القطعة - بجانب الإحساس الفني فيها - عند ظاهرها الذي يعلمه كل من سمع بها؛ فالمقاطع من الرابع إلى الثامن تدل على فهم تام لها وهي تشير إلى أن الطبيعة لا تسرف في المواهب، فهي حين تمنح موهبة تسلب ما كان يقوم مقامها. فهذا الجيبون حينما يطفر خياله في المستقبل فالذراعان لا تطيقان طفراً، وحينما تقله الفكرة ستخذله الذراع. ثم هناك بيان لمدارج الرقى بين الإنسان