للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحيوان، فهذا يفهم الشيء برسمه، وذلك يفهمه باسمه، وهذا يتذكر الحاضر وحده، بينما ذلك يتذكر الغابر ويستعيده، ثم فيها الإقرار بالعجز الإنساني أمام الغيب المجهول، والسخرية بالمعرفة الإنسانية القاصرة، فقصارى الجيبون حين يصل إلى مرتبة الإنسان أن يعرف الأشياء بالأسماء ويتذكر ما فات وأن تقله الفكرة لا الذراع ويطفر خياله ويسمو

فإذا ما طلبت باطن فهم ... يا صديقي طلبت أي محال!

أو:

إن تدانيت بعدها من مقامي ... فقصارى المطاف أن لست تدري!

وهناك الإيمان بالغريزة والإعجاب بطابعها الخالص:

وإذا ما درست أوزان رقص ... بعد لأي، فالرقص فيك انطباع!

والنيء أجدى من المطبوخ في حالتي هذا الجيوب الصديق. وهناك بعد هذا كله ذلك التعاطف بين الحي والحي، والشعور بالآصرة التي تربطهما، واستعراض الآمال والأشواق في أبي العبقري والبهلوان!

وللقصيدة بقية تنحو هذه المناحي

وهذه قطعة واحدة من شعر العقاد، تزدحم بكل هذه الدراسات واللفتات، وذلك بعض ما عنيناه برحابة نفسه، وتوفر شعوره، وصدق فطرته؛ وذلك مالا يعني المدرسة الرافعية، لأنها مشغولة عن مثله بمآرب أخرى في تطريز الأساليب وتوشية التعبير واستعارة الحكم والأقوال المأثورة

ولعل في هذا رداً على (المتقدمين من نقد الأدب) الذين يرون المعاني ملقاة على قارعة الطريق. . .! وقد تكون كذلك ولكن ليس كل من يمر بالطريق مفتوح العينين ليراها ويدرك ما فيها من جمال وتعبير عن حقيقة ثمينة؛ حتى لا يكون أمامه بعد هذا إلا أن ينصرف لتجويد الأسلوب. وهاهو ذا (الجيبون) في حديقة الحيوان يمر عليه الرائح والغادي، ويراه الرافعيون كلما زاروا الحدائق. ولكن العقاد وحده هو الذي يقف أمامه ملتفتاً هذه اللفتات، لأن في نفسه ذخيرة ينفق منها، وحياة يفيضها على ما يراه؛ وتلك ميزته عمن عداه

(حلوان)

<<  <  ج:
ص:  >  >>