وضيق لنكولن عليه الخناق فطلب إليه أن يجيب على هذا السؤال البسيط في غير مداجاة (أيعتبر نظام العبيد صواباً أم خطأ)؟ وازدادت حيرة المارد الصغير وأحس أنه على جبروته يتلوى في قبضة ذلك العملاق وكأنه أمامه جذع من تلك الجذوع التي ما كانت تقوى على فأسه مهما بلغ من متانتها يوم كان يضرب بفأسه في الغابة قبل أن يعرف كيف يضرب بقلمه أو بلسانه
وعجب الناس لهذا الرجل الذي لا يرى نظيره في الرجال، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون: ماذا دهى المارد الصغير؟ وكيف تسنى لابن سبرنجفيلد المتواضع الذي لم يعرف سلطاناً ولا جاهاً أن يأخذ الطريق هكذا على ابن وشنجطون الجبار المدل بماله ومنعته ونفوذه؟
ولكن هاجساً يهجس في ضمائرهم أن للحق سلطاناً دونه كل سلطان، وعزة يستخذى أمامها كل اعتزاز، ومنعة ترتد عنها كل مطاولة؛ وأن الباطل مهما تنمر واستعدى على الحق من أساليب بهتانه وألاعيب مكره، لا يكون منه إلا كما يكون الليل من وجه الصباح. . .
وأدرك الناس أن خير خادم للناس من يدرج من بينهم فيحس إحساسهم، ولا يزال مهما بلغ من سمو منزلته واتساع ثقافته، قادراً أن يشاركهم عواطفهم وألا يضيق بأحلامهم وإن صغرت حتى يتلمس فيها السبيل إلى هديهم وشفاء أنفسهم؛ وأي هذين الرجلين ينطبق ذلك عليه؟ أهو دوجلاس الذي أثرى بغتة بحيلة لم تتطلب منه إلا أن يشتري قطعاً من الأرض بأبخس الأثمان ثم يعمل بنفوذه على أن تتخذ سكة الحديد فيها مجراها فيبيعها بما تمتلئ به خزانته؟ والذي باعد بينه وبين الناس وتكلف مظهراً أرستقراطياً تطرب له نفسه ولا ترتاح إلا له؟ أم هو لنكولن الذي ما برح يأكل من كده والذي ظل في الناس على رجاحة عقله وعلو همته أحد الناس، والذي لا يطيب له العيش إلا إذا استشعرت نفسه آمال الناس وآلامهم، ولا يحلو له السمر إلا حيث يجلس في قوم ارتفعت بينهم وبينه الكلفة وازدادت الألفة مهما يكن من الفوارق العلمية أو الفوارق المدنية؟. . .
تحدث ابراهام مرة يصف دوجلاس فقال: لقد سوته الطبيعة بحيث أن ضربه السوط إذا نزلت على ظهره هو تؤلمه وتؤذيه، بينما هي لا تؤلم ولا تؤذي إذا نزلت على ظهر أي