في جملته - على وفائه بما وُضع له - ليس إلا تنبيهاً إلى الكتَّاب ورجال الفكر جميعاً أن يتناولوا مسائلة بحثاً وتمحيصاً ودراسة؛ فذلك هو الوقت الذي ينبغي أن ترسم مصر فيه لنفسه دستوراً قوميّاً تسير على نهجه إلى الغاية المأمولة في السعادة والمجد، وهذا الكتاب هو فاتحة البحث المنتج في هذا الموضوع. . .
ذلك عرض موجز لموضوع هذا الكتاب القيم، لا يُعرِّف به كل التعريف ولكنه يدل عليه بعض الدلالة. وإنه لعجيب في بلادنا أيُّ عجيب أن يكون من رجال الحكم والسياسة في مصر من يرصد وقته لمثل هذا البحث والدرس والاستقصاء في شئون لا تعود عليه في خاصة نفسه بالفائدة العاجلة؛ وإن أعجب منه أن يكون من هؤلاء الزعماء السياسيين عالم أو مؤلف أو أديب له فكر وبيان ومعرفة؛ وأعجب من هذين أن يكون بحثه ودرسه واستقصاؤه في شئون الطبقات الدنيا من الشعب بحيث يقف درسه على ما يهم سواد الناس ويكشف عن آلامهم وأماني أنفسهم. . .
ولكن هذه العجائب الثلاثة قد اجتمعت لسعادة الدكتور حافظ عفيفي باشا في مؤلفه القيم (على هامش السياسة)
ليس هذا فقط هو شأن هذا الكتاب، ولكن فيه شئوناً أخرى تستحق الملاحظة والتعقيب؛ فقد تعودنا وتعود الناس جميعاً ألا يروا ما تقع عليه أعينهم مرات متكررة في كل زمان ومكان؛ إذ كان الألف والعادة في المشاهدة مما يحملان على الغفلة والتعامي؛ فلن تجد كثيراً من الناس يعنون بالبحث والتدقيق في شأن ألفوه إلْف العادة ورأوه بأعينهم عشرات المرات حتى صاروا يمرون به فلا يحسون وجوده، ولكن الشيء الذي يسترعي الملاحظة ويبعث على التحري والتدقيق وتكرار النظر، هو الشيء الغريب الذي تشاهده العين أول مشاهدة. . . فنحن مثلا نعرف فلاحينا وأحوالهم ومعايشهم، وما منا إلا من عرف قليلا أو كثيرا عن القرية المصرية وشئون أهلها، ولكن قليلا منا من فكر في شئون هؤلاء الفلاحين أو نظر إليهم نظر الإنسان إلى أهله: يتعرف آلامهم ويفكر في سعادتهم. . . ومثل هذا الشأن شئون كثيرة في حياتنا، تسترعي اهتمام الأجانب والغرباء الذين يحلّون بيننا ضيوفاً كل عام ولا تثير أقل انتباه فينا، إذ كان هذا مما ألفنا أن نراه أو نسمع به، حتى أورثنا هذا الإلف بلادة في الملاحظة، فنمر به عمياناً أو كالعميان. . .