اللفظ على آفاق من الجمال اللامتناهي تزيد من قيمة الشعر بقدر ما يكون لألفاظه من أثرِ في استدعاء ألوان الجمال أو التأمل أو العِطة أو الحكمة إلى غير ذلك. وعكس هذا تماماً ما يحدثه لفظ رديء الملابسات فاسد المعنى. وهذا ولا شك ما يقصد النقاد إذ يقولون بأن الألفاظ شاعرية. على أن شاعرية الألفاظ إنما يحددها دائماً استعمال اللفظ في حيث ينبغي أن يستعمل فيكون مطابقاً دائماً لمقتضى الحال.
الشرق والثورة
حدثني صديق ممن تجمعني به ذكريات عزيزة ذكريات الثورة المصرية، عندما كانت أنفاساً حارة كاللهب المضطرم، وكانت أرواحنا مشبوبة كاللظى المتأجج. لهيب الشباب ولظى الفتوة. لم يكن عهد الكهولة قد أصاب شيئاً من تأملنا أو حفزنا بعد إلى اللجوء إلى قواعد المرجحات العقلية التي هي عندنا اليوم أشبه شيء بقانون المرجحات الرياضية، فما أن نرضيها وأما أن نعتقد أننا على غير صواب، وإننا إلى الشطط أقرب. حدثني ذلك الصديق عن الشباب وعن أيام الجهاد المستمر والسعي المتجدد في سبيل إذكاء روح الثورة في نفس الجماهير، وذكرني بما كان لنا من مواقف نعجب الآن كيف خرجنا منها وفينا نفس يردد أو عرق ينبض. كيف لم يحصدنا الرصاص. وكيف لم تسل نفسنا على شفرات السيوف؟ كيف هزأنا بالموت غير مقدرين أن الموت كان أقرب إلينا من حبل الوريد أشهراً طوالاً بل أعواماً، وكيف خلصنا من جميع هذا بأرواحنا سليمة وجسومنا لم يصبها كلمٌ واحد!
قلت له في خلال الحديث ما أشهى تلك الأيام! فان للمخاطرة بالروح لجمالاً لا يدركه الإنسان إلا بعد أن يفوز بالسلامة. ذلك جمال أشبهه بجمال الفقر الذي لا يدركه الإنسان إلا بعد أن يلوذ بالغنى. ولعل الأمر على عكس ما يخيل إلينا؛ ولعل الواقع أن المخاطرة والنقد ليس فيهما من جمال، وأن ما نستشعر من جمال فهما بعد الفرار من آصارهما قد يكون جمال الذكريات الماضيات إذ تحيي في النفس جزءاً من ماضيها، وتطبعها بطابع كاد يبلى على الأيام. قلت لصديقي من لنا يمثل تلك الأيام؟
قال الصديق: نعم نحن في احتياج إلى ثورة. إلى ثورة طاحنة تمضي بكل ما يقف في طريقها، وتأتي على كل ما يقاومها؛ ثورة شيطانية لا عقل فيها؛ ثورة مبرأة من الرشاد