وفد دمعت أجفانها فوق خدها ... جني نرجس فيه الندى يترقرق
وحلَّ من المقدور ما كنت أتَّقى ... وُحمَّ من المحذور ما كنت أفرق
وقيل فراق لا تلاقي بعده ... ولا زاد إلا حسرة وتحرق
فلو أن نفساً قبل محتوم يومها ... قضت حسرات كانت الروح تزهق
هلال ثوي من قبل أن تم نوره ... وغصن ذوى فينانه وهو مورق
فواعجبا أَنَّي أحم اجتماعنا ... ويا حسرتي من أين حلَّ التفرق
أحنُّ إليها إن ترَاَخي مزارها ... وأبكي عليها إن تداني وأشهق
وأبلس حتى ما أبين كأنما ... تدور بي الأرض الفضاء وأصعق
وألصقها طوراً بصدري فأشتفي ... وأمسحها حيناً بكفي فتعبق
وما زرتها إلا توهمت أنها ... بثوبي من وجدي بها تتعلق
وأحسبها والحجب بيني وبينها ... تعي من وراء الترب قولي فتنطق
وأشعر قلبي اليأس عنها تصبرا ... فيرجع مرتاباً به لا يصدق
هذا شعر صادق الدلالة على الحقائق التي أحاطت بالشاعر وعلى الاحساسات التي اختلجت بها نفسه. قد تكون فيه لمحات من شعر الرثاء في شعر غيره من الشعراء؛ ولكن فيه إلى جانب هذا سر جديد عليك. ذلك ما تدرك من هدوء هذه النفس الثائرة كأنما ترى أرضاً انبسطت ونما فوقها العشب وغشتها الأزاهير، وأنت تسمع من تحتها دوي البراكين وهمهمة الزلازل تغلي في باطنها
ولقد حاولت أن أطلق على هذه الظاهرة العجيبة في شعر الطغرائي اسماً أميزها به، فلم أجد اسماً أطلقه عليها أجدر بها من أن ندعوها (الواقعية الشعرية) فإنها والحق يقال أقرب الأشياء فهماً مما ندعوه (الواقعية في الفلسفة) على أن المقارنة بين واقعية الشعر وواقعية الفلسفة يحتاج إلى فراغ ليس هذا مكانه، أما إذا أردت أن تقف على طرف مما ذكرت فاقرأ له المقطوعة الآتية:
أقول لنِضْوي وهو من شجني خلو ... حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو
تعالي أقاسمك الهموم لتعلمي ... بأنك مما تشتكي كبدي خلو
تريدين مرعى الريف والبدو أبتغي ... وما يستوي الريف العراقي والبدو