(جعلُ نتيجة القتل حياة من أعجب ما في الشعر، يسمو إلى الغاية من الخيال، ولكن أعجب ما فيه أنه ليس خيالا بل يتحول إلى تعبير علمي يسمو إلى الغاية من الدقة، كأنه يقول بلسان العلم: في نوع من سلب الحياة نوع من إيجاب الحياة)
(فإذا تأملت ما تقدم وأنعمت فيه تحققت أن الآية الكريمة لا يتم إعجازها إلا بما تمت به من قوله (يا أولي الألباب) فهذا نداء عجيب يسجد له من يفهمه إذ هو موجه للعرب في ظاهره على قدر ما بلغوا من معاني اللب، ولكنه في حقيقته موجه لإقامة البرهان على طائفة من فلاسفة القانون والاجتماع هم هؤلاء الذين يرون إجرام المجرم شذوذاً في التركيب العصبي، أو وراثة محتومة، أو حالة نفسية قاهرة إلى ما يجري هذا المجرى، فمن ثم يرون أن لا عقاب على جريمة لأن المجرم عندهم مريض له حكم المرضى، وهذه فلسفة تحتملها الأدمغة والكتب، وهي تحول القلب إلى مصلحة الفرد، وتصرفه عن مصلحة المجتمع، فنبههم الله إلى ألبابهم دون عقولهم كأن يقرر لهم أن حقيقة العلم ليست بالعقل والرأي، بل هي من قبل ذلك باللب والبصيرة، وفلسفة اللب هذه هي آخر ما انتهت إليه فلسفة الدنيا)
(وانتهت الآية بقوله تعالى: (لعلكم تتقون) وهي كلمة من لغة كل زمن، ومعناها في زمننا نحن يا أولي الألباب، أنه برهان الحياة في حكمة القصاص نسوقه لكم، لعلكم تتقون على الحياة الاجتماعية عاقبة خلافه، فاجعلوا وجهتكم إلى وقاية المجتمع لا إلى وقاية الفرد)
هذا بعض ما قاله فقيد العربية الأستاذ الرافعي (رحمه الله وكافأه) ولما اطلع الأستاذ النشاشيبي على هذا المقال البليغ في (البلاغ) بعث إلى هذه الجريدة بكلمة عنوانها: (إنها مترجمة) نشرتها في ١٩ من رجب ١٣٥٢ بعد مقدمة منها، ومما جاء في تلك الكلمة:(قال الأديب الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في رده في (البلاغ) على كاتب في (الكوكب): (إن القتل أنفي للقتل مولدة وأنها مأخوذة من آية) ومعاذ الله أن تكون مولدة، وأن تكون قد أخذت من آية، ولو كان ذلك لوجدنا عليها مسحة - وإن قلّت - من الجمال القرآني وهاهي ذي، كما يراها رائيها، لا تكلف أحداً في البشاعة وصفها فهي ليست بعربية ولا بمولدة، ولم تبصر في يومٍ ضياء القرآن، بل هي مترجمة، وربما أخطأ الناقل في