التي ترتكز عليها حياتها الاجتماعية. ويكفينا للتثبت من هذه الحقيقة أن نلقي نظرة على الملايين العديدة التي تنزل ريف مصر والتي تنتشر على ضفتي النيل من الشلال حتى البحر الأبيض المتوسط، في حياتها المعاشية التي يرتكز عليها المجتمع المصري، وأن نرجع ببصرنا إلى الماضي بعدئذ مستمدين من النقوش التي قرأت على الآثار والهياكل والتي انبثت على جنبات الوادي في مصر، ومن الكتابات التي خطت على أوراق البردي والتي صورت حياة المصريين في العهد الفرعوني، لنخرج بصورة تمثل وحدة الحياة المعاشية في مصر من عهد الفراعنة إلى يومنا هذا. وذلك راجع إلى أن الحياة المعاشية صورة من احتياجات البيئة التي يعيش فيها الإنسان؛ والبيئة واحتياجاتها لا تزال على وتيرتها الأولى في ريف مصر حيث ينزل معظم أبناء مصر. خذ إلى جانب ذلك منطق التفكير وأسلوب الصياغة، وأعني بذلك اللغة من حيث هي صوغ المعاني، والدين، مما اكتسبته مصر من العرب فكان ركناً من أركان الثقافة التقليدية لمصر. ولقد اختلطت هاتان الثقافتان، الفرعونية من جانب والعربية من جانب، فكان من ذلك مزيج. ذلك ما نعبر عنه بالثقافة التقليدية لمصر منذ أيام الفتح العربي
أما ما أثاره مناظري الأديب فليكس فارس من اعتراض على قولي إن الحياة المعاشية التي يحياها المصري الآن تجري على غرار ما كان يحياه أسلافه الفراعنة بقوله وأنا لا أرى في حياة المصريين اليوم أثراً من الحضارة الفرعونية لا في الحياة العملية ويعني بذلك المعاشية ولا في الحياة الأدبية، فإنني لا أجد صعوبة في دفع اعتراضه فأقول وأنا أرى في حياة المصريين اليوم أثراً من الحضارة الفرعونية في حياة الشعب المعاشية!!
وأظن أن إثارة الاعتراضات ودفع الاعتراضات لا يقوم على مجرد القول بأني أرى أو لا أرى، إنما تقوم على البحث والتحليل والنقد المستقصي. فإذا قلت إني لا أرى بي حاجة لدفع اعتراض مناظري، فذلك واضح لأنه لن يأت بأكثر من قوله إني لا أرى!
ومع ذلك أحب أن ألفت نظر مناظري إلى أصول الري عند الفلاح المصري ونظام معيشته ومسكنه الريفي وجلبابه الأزرق وعاداته وتواكله وانصرافه عن كل شيء لقطعة الأرض التي يزرعها، الشيء الذي لم يتغير في مصر منذ سبعة آلاف سنة مما يتضح للباحث من ابسط مقارنة بين فلاح اليوم في مصر الحديثة وفلاح الأمس البعيد في مصر الفرعونية،