للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشيء الذي يثبت أن الثقافة التقليدية تقوم على أساس من الفرعونية من ناحيتها المعاشية؛ وإذ قلت الفرعونية فإنما أعني أن وحدة الحياة المعاشية تتماشى في ثقافة المصريين التقليدية حتى العهد الفرعوني.

إذا صحّ هذا، فكأن الثقافة التقليدية لمصر من ناحيتها المعاشية فرعونية، أما من ناحيتها العقلية فهي فرعونية تكيفت تبعاً لها الثقافة العربية تكيفاً يتلاءم وما تحتاج إليه الثقافة الفرعونية في عهد الحكم الروماني من ملابسات لتجاري فن الحياة في ذلك العصر. ومن هنا قامت أو قل استمدت اللغة العربية في مصر قدرتها على صوغ المعاني بما يتكافأ ومحيط مصر، فكانت اللغة العامية في مصر، وهي في الحقيقة الفرعونية الآخذة بأسباب التعرّب، ثم كان الدين الإسلامي ومنطق التفكير مما يتكافأ الطبيعة المصرية الفرعونية، وهذا ما يثبته دخول الكثير من عادات وتقاليد المصريين في تضاعيف العقيدة الدينية. يقول الدكتور سليم حسن بك عالم الآثار المعروف:

(إن كل ما كان يحرزه المصري القديم من عادات وفن ودين إلى عصر الفتح الإسلامي قد سلمه برمته إلى مصر الإسلامية، اللهم إلاّ اللغة والدين - على أن الأولى بقيت على قيد الحياة وأثرت في اللغة العربية في مصر إلى أن اندثرت في القرن السابع عشر وأقصد بذلك اللغة القبطية. أما الدين المصري القديم فقد ظهر عله الدين المسيحي ثم الإسلامي لفظا وشكلاً. والواقع أن معظم الطقوس الدينية في مصر الحديثة ترجع في أصلها إلى مصر القديمة وهي تعد في الدين الإسلامي بدعاً) وأنت ترى أن الأخصائيين في مصر الفرعونية يحكمون لنا في قضيتنا أن ثقافة مصر العقلية التقليدية فرعونية الأصل تكيفت تبعاً للثقافة التقليدية العربية تكيفاً يتلاءم وما تحتاج إليه الثقافة الفرعونية من ملابسات لتجاري فن الحياة في عصر الفتح الإسلامي

وهذه الثقافة التقليدية التي تتماثل صورها في سريرة كل مصري هي قرارة الذهنية المصرية. ولا يمكن أن تتقطع أوصال هذه العقلية من حيث هي تنزل عند حكم فطرة الشعب ما لم يهتز لذلك المجتمع المصري هزَّا عنيفاً ويدلف إلى حياة جديدة تتقطع معها أحكام البيئة والمحيط التي احتضنت ثقافة مصر التقليدية نتيجة لتكافئها معها. وما دامت لم تفز مصر بثقافة جديدة تهز المجتمع المصري في صميمه، فليس هنالك سبيل لتقطع ثقافة

<<  <  ج:
ص:  >  >>