للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مصر التقليدية.

إذن فلنصرف الكلام عن ذلك ولنبحث في هل هنالك من سبيل لتلقيح الثقافة التقليدية لمصر بعناصر أجنبية تبعث فيها النشاط وتدفعها لآفاق جديدة تتفق وحالات هذا العصر. وإذن يكون موضوع الخلاف الأساسي بيني وبين مناظري: هل من الخير لمصر أن تلقح ثقافتها التقليدية بعناصر من الثقافة الغربية لتساير مجرى الحياة، أم تمضي في أخذها عن الثقافة الشرقية؟

هذا هو موضوع الخلاف بين الشرق والغرب بالنسبة لمصر، وإذا قلت مصر، فإنما أعني مصر وحدها، لأن لمصر ثقافتها التقليدية التي تباين ثقافة السوريين التقليدية أو ثقافة اللبنانيين التقليدية، وما ينجح لمصر قد لا ينجح لغيرها

أما وقد وصلنا من البحث إلى هذا الحدّ، فلننظر قليلا في بحث معنى الثقافة، لأني أتبين خلافاً خطيراً بيني وبين مناظري في مفهوم الثقافة والعلم

وإني لأشعر قبل أن أدلف إلى أغوار البحث بخطورة ما سأدلي به، ذلك لأني أجد التفرقة بين العلم الوضعي والثقافة اعتبارياً. وإن كانت صيغة العلم موضوعية وصيغة الثقافة تتسم بطباع الذاتية. ذلك لأنه لا يمكن في عالمنا الحاضر التفرقة بين الثقافة والعلم، لأن الأولى نتيجة للثاني، وليس ذلك نتيجة لاغترار ذهني، وإنما نتيجة للنظر في مجتمعنا الراهن حيث يَسُود العلم الوضعي كل شيء، وينزل المنطق العلمي البحت أساساً لكل شيء. فان الحضارة الراهنة. . . الآلية بصورها المادية نتيجة لاستخدام المنطق العلمي في استغلال الطبيعة لصالح الإنسان، وكانت نتيجة استخدام المنطق العلمي أن نشأت حضارة تغلبها النزعة المادية تنزل منها ثقافتنا العصرية منزلة التاج، ولا يمكن لمجتمع أن يأخذ من العلم الوضعي نتائجه فيستخدمها دون أن يأخذ منطقه الذي يؤدي إلى هذه النتائج إلا ويكون عالة على الإنسانية. وارفع مثال ذلك اليابان التي ضربت بها مثلاً على أن أمة من الأمم لا تأخذ بالثقافة الغربية إلا وتنهض، فان اليابان ما نهضت إلا بأخذ الآلة والآلة فقط، ولذلك كان نهوضها آلياً لأنها لم تأخذ منطق التفكير الأوربي نتيجة لاحتفاظها بشرقيتها ومنطق تفكيرها التقليدي. وهذه حقيقة كبرى كما يقول مناظري، ولكن تقوم برهاناً على صحة كلامي، فاليابان اليوم عائشة عالة على أوربا وعلم أوربا، لأنها لم تأخذ علم أوربا ومنطق

<<  <  ج:
ص:  >  >>