كما أنه يحمل على الأستاذ سعيد أيضاً فيما كتبه عن العقاد لأنه (يجهل طبيعة العقاد ودوافعه في الحياة وعوامل الكتابة في نفسه) ويلتمس له العذر في ذلك لأنه (لم يختلط بالعقاد أولاً. ولأن نفسه لم تتفتح لأدب العقاد فيفهمه ثانياً) ويسمح هو لنفسه أن يكتب عن الرافعي ما يشاء وهو كما يعترف لا يعلم عن حياته شيئاً ولا يشعر في قراءته له غير الكراهية والنفور!. .
وأعجب من هذا أنه كان (ينكر) أن تكون للرافعي (إنسانية) و (نفس) ولكنه لما رأى الأستاذ سعيد يتحدث عن (حبه) و (عاطفته)، وحين استطاع أن يكون ناقداً أصبح ينكر عليه (الطبع) بدل (الإنسانية) ويريد منه (الأدب النفسي) بدل (الأدب الفني). وفي هذا تناقض وسقم في الإدراك. تناقض لأن في (الأدب النفسي): الأدب الفني، وفي أدب الذهن:(أدب الطبع). وليس من يشك في أن الفن صورة لشعور النفس، والطبع صورة لذهن الإنسان.
ولعل حضرة الأستاذ سيد يذكر تجربة العالم الذي أعلن هذه الحقيقة بكيفية مضحكة: فاستدعي خمسة وعشرين رساماً، ورجا من كل واحد أن يصور له حماراً. وبعد الانتهاء لم يجد صورتين متماثلتين تماماً: فكل واحد صوره كما أوحاه إليه شعوره النفساني، فهذا رسمه أبله. وذاك رسمه صبوراً. والآخر رسمه وديعاً. الخ. وكانت البراعة الفنية مترجمة عن خطرات النفس، واحساساتها. ثم استدعى خمسة وعشرين كاتباً ورجا منهم أن يكتبوا عن الحمار أيضاً فكانت النتيجة كالأولى. وساعتئذ قرر أن الفن صورة لإحساس النفس، وهما متلازمان تلازم العرض للجوهر. فما دام للإنسان (فن) فلا بد أن تكون له (نفس)
وأما (الطيع) فهو خاصة من خصائص الذهن، لأن الطبيعة أول ما تنشأ عن العقل، وفي أرضه تنبت وتمد عروقها، وللعالم النفساني مائة وخمس وعشرون تجربة تؤيد هذا الاكتشاف، منها: أنه وضع شيئاً من الحلوى في مكان مرتفع، وجاء بطفل صغير، وأغراه ليتناولها، فجعل الطفل تارة يمد يديه، وطوراً يقفز وأخرى ينظر إليها في صمت وسكون. ثم اهتدى إلى كرسي كان إلى جانبه، وتمكن منها. فصار كل يوم يضع قطعة أخرى من الحلوى، والطفل يتناولها بالوسيلة المتقدمة بدون أدنى تفكير. ثم كان ذاك مرة كل أسبوع،