الخوالج النفسية، أو حالة عاطفية خاصة تثيرها أشياء شتى أو ظروف جد مختلفات.
فنحن نقول عن منظر من المناظر الطبيعية أنه شعري. ونحن نقولها عن طور من أطوار الحياة، وأحيانا نقولها عن شخص. ولكن هناك محملاً آخر لهذا اللفظ. ومدلولاً ثانياً هو أخص من الأول. والشعر على هذا الوجه الثاني يذهب بأذهاننا الى أحد الفنون، الى صناعة عجيبة غرضها أن تعيد كرة أخرى إنشاء هذه العاطفة التي يدل عليها الوجه الأول للفظ. فاستعادة العاطفة الشعرية عند القصد وبواسطة افانين اللغة دون الظروف الطبيعية التي تولدت فيها عفوا، هو مطلب الشاعر، وهو هو الفكرة المقترنة بكلمة (الشعر) في مفهومها الثاني، وفيما بين هذا التصور وذاك يوجد من العلائق والفروق مثل ما بين أرج الزهرة وبين عملية الكيميائي العاكف على تأليف العطر من كافة الأجزاء.
على أن الناس يخلطون في كل لحظة بين هاتين الفكرتين، فتنجم من ذلك طائفة من الأحكام والنظريات فضلا على المصنفات، فاسدة في أساسها للإطلاقها كلمة واحدة على شيئين هما على ارتباطهما جد مختلفين.
العاطفة الشعرية
ولنجعل أول كلامنا على العاطفة الشعرية! أي عن الحالة العاطفية الأصلية.
تعرفون ما يخالج معظم الناس من شعور يتفاوت قوة وصفاء. بين يدي مشهد طبيعي رائع، فمناظر الغروب؛ والليالي القمراء، والأحراج الشجراء، والبحر، تطربنا وتحرك عواطفنا، وعظائم الأحداث وأزمات الحياة النفسانية، وأشجان الحب، وتذكر الموت كلها مناسبات أو أسباب مباشرة لما يقع في الوجدان من تجاوب وأصداء داوية، بالغة في الشدة أو غير بالغة، قوية التنبه أو ضعيفته. وهذا اللون من خوالج الإنسان يتميز من سائر خوالجه الاخرى. فبم يتميز؟ ذلكم ما يعنينا بحثه في مطلب اليوم، فيهمنا أن نقابل بكل ما يستطاع من الوضوح بين العاطفة الشعرية والعاطفة العادية، والتفريق بين هذين عمل جد دقيق. إذ هما لم ينفصلا قط في الحياة الواقعة. فتجد الانفعال الشعري الأصلي مشوبا على الدوام بالحنو أو الأسى، بالغيظ أو الوجل أو الأمل، ولا تبرح مصالح الشخص وعلائقه الخاصة متحدة بهذا (الإحساس بالكون) الذي يتميز به الشعر.