جزائر غريبة اللسان باق بعضها من الأزمنة السابقة لعهد العرب
فما هي الآمال القائمة اليوم في بعض الصدور؟ هل النزلاء الأوربيون الذين حلوا أخيراً في مملكة العرب القديمة سيزيدون عدداً حتى يملئوا الأرض التي كانت إلى الآن عربية؟ وهل يدفعون سكانها العرب أنفسهم على تخلية المدن والقرى والرجوع القهقري إلى الصحراء الجرداء القاحلة؟
لا شك أن في الدنيا بعض الصهيونيين يحملون في أن يجعلوا اللسان العبراني لسان الشرق من حيفا إلى تل أبيب على الطرف الغربي من الصحراء السورية، كما يوجد أيضاً بعض الفرنسيين الذين يحلمون مثل هذا الحلم ويرجون نقل لغتهم الفرنسوية من وهران والجزائر إلى الطرف الشمالي من الصحراء الأفريقية وتحويل من هنالك من البرابرة الذين لم يصيروا عرباً حتى الآن إلى فرنسيين
فهل هذه الأحلام الأوربية بالتوسع العظيم على نفقة العرب تخيلات وهمية أم سياسة عملية؟
إن الرد على هذا السؤال يتوقف على كيفية تأثر العرب بهذا الاندفاع الأوربي. أن اشتراك اللغة وحدها لا يترتب عليه اشتراك في الشعور الاجتماعي ولا اشتراك في الغايات ولا في الأماني. وقد كان العرب حتى الآن متباعدين. ويستدل على عدم تضامنهم باختلاف الألوان الكثيرة على خريطتهم الجغرافية
فان في العالم العربي اليوم أربع دول: السعودية واليمن والعراق ومصر، مستقلة استقلالاً تاماً، وثلاثا على مقربة من الاستقلال وهي سوريا ولبنان وشرق الأردن، واثنتين ممنوعتين من الاستقلال مكرهتين على قبول نظام الحماية الفرنسوية وهما: تونس والمغرب الأقصى، وثلاثا محكومات فعلا بصفة مستعمرات مع أنهن في الواقع ذوات أحكام مختلفة. ففلسطين تحت الانتداب البريطاني، والسودان تحت السلطتين الإنجليزية والمصرية، ولوبيا تحت السلطة الإيطالية. وأخيراً الجزائر فان فيها ثلاث مقاطعات معدودة فرنسية كأراضي فرنسا الأصلية.
(وهكذا نرى العالم العربي في حالته الحاضرة لا يختلف عن أيام الصليبيين. بل إن الخريطة الحاضرة تشبه خريطة تلك الأيام إلى درجة مدهشة