سقراط ويدافع عنه أمام ثلاثة من السفسطائيين!، أحدهم جورجياس أستاذ البيان، وكان يدعي أنه يعلم الناس العدالة وأنه يعرفها حق المعرفة، ولكنه كان يقول أن البيان يعلمنا كيف نقنع الناس بالعدل والظلم، وكيف ندهشهم ونذهلهم ونظللهم ونحكمهم!؛ ولذلك يريه سقراط أنه يجهل العدل. فيتقدم إليه متحدث آخر بحماس، ويقول له انه يعترف بأنه لا يعلم الناس العدالة وإنما يعلمهم فن القوة والسعادة، وإنه يعتبر ظالماً جباراً (كأرشليوس)(الذي قتل أخاه وعمه وأبن عمه ليصل إلى العرش) - أسعد الناس. . . فما يلبث سقراط أن يقرر أن الظلم شر، وأن العقاب بسببه خير، وأن أسوأ النفوس وأشقاها هي تلك التي تكون غارقة في بحر الظلم وتأبى مع ذلك أن ينقذها منقذ يبعدها عن العقاب!، وهنا يشك السفسطائي الثالث في أن سقراط يعني حقاً ما يقول و. . .، ثم يعلن أن الأفضل لنا هو أن نكون ذلك (الهرقل) الذي تصبح إرادته قانونا!، وان الضعفاء هم الذين يسنون القوانين ويسمونها عدلاً!. . .، وأن العدل في الطبيعة هو حق (الأقوى والأحسن) فيسائله سقراط: إذا كان الأمر كذلك فهل تصبح إرادة (الجماعة) عدلا مادامت هي الأقوى؟)
وهكذا يأخذ سقراط في إحراج المتحدثين الثلاثة وفي تضييق الخناق عليهم حتى يفسد عليهم حججهم، ويعلن (أننا نستطيع أن نستمد من العقل كل ما هو مشروع بالنسبة للجماعة والفرد، وأن الشخص العفيف يكون عادلاً وطيباً وشجاعاً، وأن غير العفيف يكون شقياً لا صديق له من الله والناس، لأنه خارج عن نطاق ذلك الكون الذي قد ربط الحب بين أرضه وسمائه وآلهته وأناسه بصلات وثيقة اقتضاها نظامه العام؛ فالظلم إذن أفدح الشرور لمن يرتكبه، ولن يكون سقراط العادل شقياً في يوم من الأيام، لن ُيسرق أو يجلد أو يباع بيع الرقيق، ولكن الذي يشقى ويذل هو الذي يسرقه أو يجلده أو يبيعه بيع الرقيق!. . .
(لهذا يجب أن نحفظ أنفسنا من ذلك الشر. . . وأن نكسب الفضيلة بكل ثمن، وأن نبحث عن فن يساعدنا على ذلك الاكتساب ونمضي حياتنا في دراسته. . . الخ)
وتنتهي المحاورة بخرافة كما تنتهي أغلب محاورات أفلاطون. وهو يصور لنا في هذه الخرافة ما تلقاه النفوس الظالمة الشريرة من عذاب الجحيم!
فإلى اللقاء حيث أقدم لك أشخاص المحاورة وأبدأ الترجمة بعد إذ قدمت لها بتلك المقدمة