(يصعب جداً تحديد الوقت الذي تحدث فيه سقراط مع السفسطائي، وربما كان ذلك أثناء زيارة جورجياس لأثينا. وتعتبر هذه المحاورة من المحاورات التي ألفها أفلاطون في شبابه. وهي تبدأ بوصول كل من سقراط وشيرون متأخراً، وكانا يريدان سماع محاضرة لجورجياس
ومن ثم يريد سقراط أن يعرف من المحاضر مفتاح فنه وطبيعة تعاليمه، فيطلب منه المناقشة. أما موضوع المحاورة فهو فن البيان ويريد أفلاطون أنه فن إقناع الناس بالحق والعدل لا بالباطل والظلم، كما يرى أن وسائله في الإقناع كثيرة، إذ أنه أما أن يضع الظواهر مكان الحقائق ويشير إلى الحواس والخيال والشهوات ثم العقل، وإما أن يشير إلى العقل ولكن بالمنطق السفسطائي الزائف كيما يخدعه. وبهذا يقتنع الشعب الوادع الجاهل، المخدوع دائماً بأولئك (الاستغلاليين) الذين يتملقونه!؛ والبيان بهاتين الوسيلتين دنيء حقير لا يعدو (فن الطبخ) في كثير! ولا يخرج على أن يكون خطاباً زائفاً منصباً على اللذائذ والشهوات فحسب؛ أما البيان الرفيع الصحيح فهو الذي يعني فقط بنصرة الحق والعدل؛ وتلك هي الناحية الإيجابية في المحاورة، ذلك أن الخطيب الحق عند أفلاطون، هو ذلك الصادق العادل الذي يستعين بالفلسفة في دراسة العدالة ونشرها، والذي يدعو لأن نكون أخيارا في السر والعلن، ولأن نكون عادلين دون أن نطمع في الجزاء!
(ولم يكن أشجع بعد هذا ولا أجرأ من أن يعلن أفلاطون في وقت اختفت فيه فكرة الواجب وانتهكت حرمة النظم والقوانين بالبلاد اليونانية، أن الأخلاق الفاضلة تحيا دائماً وتسود لأنها أقوى وأقدر من جميع الهادمين!، بل لم يكن أعظم ولا أجمل من أن تشيع هذه اللهجة السامية في جمهور متكبر اعتاد السياسيون أن يتملقوه، وامتلأ إيماناً (بحقه الأعلى) في شئون الدولة الصغيرة والكبيرة بغير استثناء!)
تحليل المحاورة:
أما الأستاذ (رينوفيير فقد حلل المحاورة تحليلا بديعا في كتابه , , ولذلك قد آثرنا أن نقدم هذا التحليل للقراء كيما نعدهم للترجمة أتم إعداد:
يقول (الظلم أفدح الشرور، وارتكابه أفدح من احتماله! وذلك هو الموضوع الذي يدعمه