للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وليس من شأني هنا أن أرد على الأستاذ الحكيم آراءه وأقول له بأننا ما دمنا في الحياة فيجب أن نعمل من أجلها ومن أجلها وحدها. . . اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وإننا إذا لم نحل مشاكلنا على هذه الأرض فلن نحلها في وقت من الأوقات ولن تحل!

ليس هذا ما يعنيني؛ أما الذي يعنيني من هذا الكلام أن أستوضح الفرق وأستبينه بين منطق الغرب ألا ثباتي وروح الشرق الغيبي بملاحظة أن المنطق العربي ينظر للحياة الإنسانية كما هي، وعن طريق العقل وحده يحاول معرفة حقيقته وتنظيم الصلات بين أفراد المجموع البشري. بعكس الذهن الشرقي الذي يدخل عنصراً غيبياً في الحياة الإنسانية، وعن طريق هذا العنصر الغيبي يحاول تفسير الحياة وتنظيم الصلات الإنسانية وإقامة العلاقات بين أفراد الهيئة الإنسانية.

ولنا أن نخلص من هذا كله بأن الثقافة الغربية إنسانية وإنها انتمت إلى المرحلة الأخيرة من مراحل التفكير الإنساني الذي كشف عنه أوغست كونت، بعكس الثقافة الشرقية التي وقفت عند حدود المرحلة الثانية حيث يمتزج فيها العالم المنظور بعالم ما وراء المنظور.

وإذن من الخطأ التفريق بين مفهوم الثقافة ومفهوم العلم الوضعي باعتبار أن الثاني عام والأولى خاصة كما يريد أن يثبت مناظري الفاضل، والصحيح أن يقال إن العلم الوضعي رغم أنه عام يقوم بمنهجه الثقافي، وإن العلم يتلون (بروح الأمة) وهذا ما نلمسه نحن المشتغلين بمسائل العلم من قيام مدارس علمية في أمم متباينة الروح فتخرج متباينة المذاهب والطرائق والاتجاهات؛ ولا أدل على ذلك مما نراه من مدارس في العلم، كل تحمل اسم أمة بعينها. مثال ذلك المدرسة الألمانية والمدرسة الفرنسية في الرياضيات والطبيعيات وبقية فروع العلم مما يعرفه كل من درس العلم في أوربا في جامعاتها الكبرى.

إذا صح ما ذكرته كله ولا أخاله إلا صحيحاً - فمن العجيب أن يناقشنا الأستاذ فليكس فارس الرأي فيما قلناه من كون الثقافة الشرقية ذاتية بكلام يلقيه على عواهنه دون أن ينظر إلى ما قدمناه من أدلة استفاضت بها كلمتنا التي أدلينا بها في مناظرتنا معه والتي شغلت أكثر من ثلاث صفحات من النص الذي نشرته (المجلة الجديدة). ومع ذلك أحب أن أنظر في كلام مناظري الفاضل، وأول شيء ألمسه أنه يعترف ضمناً بما نقول حيث كتب يقول:

(ومما يجدر ذكره هو أن العرب حين اقتبسوا من تراث اليونان ما يعززون به تفكيرهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>