مع رأي شوبنهور في نقطة ويختلف معه عند أخرى. فهما يلتقيان حين يقول شوبنهور: إن الفكرة لابد أن تكون بعيدة عن عالم الأسباب والضرورات، ومن ثم لابد أن تكون (مطلقة) من أسر الأسباب والضرورات؛ ويختلفان حين نذكر أن الحرية لا تكون بغير إرادة، وأن شوبنهور يخرج الجمال كله من عالم (الإرادة المسببة) إلى عالم (الفكرة المجردة).
ثم يرجح رأيه على رأي شوبنهور بأن الجمال يتفاوت في نفوسنا ويتفاضل في مقاييس أفكارنا، ولو كان المعول على إدراك (الفكرة) وحدها في تقدير الجمال، لوجب أن تكون الأشياء كلها جميلة على حد السواء.
ثم يوضح هذا بأن الشجرة كفكرة تستوي مع الإنسان كفكرة كذلك، ولكن جمال الأولى أقل من جمال الثاني - مع تساويهما لو أخذنا برأي شوبنهور - وذلك لأن الثاني أكثر حرية و (الحرية هي المعنى الجميل في الفكرة أو هي التي تهب الفكرة ما فيها من جمال)
وهذا - كما ترى - كلام واضح وهو كذلك دقيق. ولكن الرافعي لا يفهمه. وهو في عدم الفهم على درجات: بعضها يتعلق بالقصور النفسي عن تصور حالة من الحالات النفسية، وهو ما نعذره فيه، ولا نطلبه بفهمه. وبعضها يتعلق بالقصور في فهم الأسلوب والكلمات وهو ما لا ندري كيف نسميه.
والنوع الأول يبدو في تعليقه بالهوامش على إن السرور بالجمال سرور بلا سبب ولا منفعة، فهو يقول:(وهل في الدنيا من يسر من الجمال (بلا سبب)
ونحن نقول له: نعم يا سيدي في الدنيا من يسر من الجمال بلا سبب، لأن بداهته وفطرته تتصل مباشرة بالجمال في (عالم الفكرة) كما يشرحه شوبنهور فيحس بالسرور. وفي هذا العالم لا توجد (أسباب) فهذه إنما تتعلق (بعالم الإرادة) أي العالم الموجود في الخارج. وهي على كل حال مسألة تتطلب (نفساً) فلا على الرافعي منها.
وهو يعلق على شرح العقاد (للفكرة) في رأي الفيلسوف الألماني بأنها بعيدة عن عالم الأسباب والضرورات، ومن ثم لابد أن تكون مطلقة من أسر الأسباب والضرورات. فيقول:(ففكرة من تكون هذه الفكرة البعيدة عن عالم الأسباب والضرورات؟ وكيف تسمى فكرة؟)
وهذا القول غريب من رجل يدعى أنه يفهم الثقافة الإسلامية ويدافع عن علوم الإسلام.